د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وتخمة حرب حكومات

«الحرية هي أن يكون الفرد وبالتناوب حاكمًا ومحكومًا....» شعار لا مكان له في ليبيا بعد فشل التداول السلمي على السلطة في أكثر من مرة رغم نجاح العملية الانتخابية، فليبيا اليوم تعج بحالة تخمة حكومات، تتنازع السلطة بأسماء متعددة، من مؤقتة ووفاق وإنقاذ، والأخيرة عادت للحياة عبر بيان أعلنه رئيسها خليفة الغويل بعد سيطرته على قصور الضيافة التي كان يتخذها ما يسمى مجلس الدولة الاستشاري مقرًا له، فسبحان الذي يحيي العظام وهي رميم، فبعد غياب دام لشهور عدة ظهرت حكومة الغويل بشعار حكومة الإنقاذ من رحم ميت هو المؤتمر الوطني العام، ليفاجئ العالم بطرد ميليشيات الحرس الرئاسي من قصور الضيافة التي تنازعها مع عبد الرحمن السويحلي، الذي هو الآخر سبق الغويل بأيام بإعلان انقلابه على البرلمان الشرعي واستلاب صلاحيته التشريعية ليمنحها لمجلس الدولة الاستشاري الذي تزعمه السويحلي في نفر من جماعته، في مخالفة صريحة وخرق واضح لاتفاق الصخيرات.
انقلاب الغويل جاء حركة استباقية من جماعته (الجماعة الليبية المقاتلة) الحليف السابق للإخوان، التي وجدت نفسها خارج القسمة ولم تنل حظًا وافرًا بعد أن كانت تحكم طرابلس وما جاورها، فجاءت عملية إحياء حكومة الغويل كرسالة للحليف السابق أنهم يحكمون طرابلس وأنهم الطرف الأقوى من بين ميليشيات طرابلس، وأنهم رقم يصعب القفز عليه من حلفاء الأمس، وأنهم «الأحق» بملء أي فراغ حكومي وفق ظنهم وزعمهم، رغم أن الغويل وجه دعوة مباشرة لعبد الله الثني رئيس الحكومة الشرعية التابعة لمجلس النواب، طالبه فيها بتشكيل حكومة «وحدة وطنية»، خصوصًا بعد أن أصبح واضحًا نهاية وسقوط حكومة السراج المسماة حكومة وفاق وطني، التي افتقرت لأبسط اشتراطات الوفاق ومعانيه وفشلت لمرتين في الحصول على ثقة البرلمان الشرعي، وسعيها في ممارسة مهام الحكومة رغم عدم حصولها على الثقة، في تحدٍ سافر لإرادة الشعب الليبي، بل استقدمت قوات أجنبية وأقامت تحالفات دون الرجوع للبرلمان الشرعي، في محاولة منها للاستقواء بالخارج، كما أن رئيسها السراج سافر إلى أكثر من 70 سفارة خارجية بصفة «رئيس حكومة» دون أن يكلف نفسه زيارة مقر البرلمان الليبي المنتخب في طبرق، بل تجاهل كل هذا وعقد جميع اجتماعاته خارج ليبيا، حتى التي تشاور فيها حول تشكيل الحكومة، الأمر الذي جعلها في نظر أغلبية الليبيين محاولة لاستنساخ «كرزاي» ليبي جديد، وتنصيب حكومة وصاية لنهب الأموال الليبية المجمدة بمشاريع وهمية، وتمرير غيرها دون مردود نافع على الشعب الليبي، الأمر الذي سيجعل من ليبيا رهينة للبنك الدولي، لتصبح على قائمة الدول المفلسة في بضعة شهور.
ظهور وإحياء حكومة الغويل غير الشرعية، ليس مستغربًا في المشهد الليبي المرتبك، فقد نشهد حتى ظهور حكومة محمود جبريل وعودة المجلس الانتقالي، الذي سبق أن سلم السلطة للمؤتمر الوطني، في ظل غياب أي رغبة من الجميع في التداول السلمي للسلطة، فقد يعلن حتى البغدادي المحمودي (رئيس وزراء القذافي) من محبسه ويعلن ممارسة حكومته أعمالها!
العاصمة طرابلس مختطفة من قِبل ميليشيات مسلحة متنوعة الهوى، أغلبها تابعة لجماعات تكفيرية خصخصت العاصمة بينها، تتحارب لمجرد زحف طرف على جزء من «حصة» الآخر، نصبت مجموعة من الإرهابيين السابقين، لتولي حكومة موازية للحكومة الشرعية النازحة في مدينة البيضاء، التي هي الأخرى حكومة لا تملك القدرة على التحرك، وحماية نفسها، فكيف سيكون لها حماية الشعب من تصارع قوى خارجية وأخرى داخلية، متمثلة في حكومة موازية هي مجرد واجهة سياسية للميليشيات التكفيرية في طرابلس، أصبح المواطن ضحيتها وأحيانًا رهينتها.
في اعتقادي ورغم هذه النكسات في العملية الديمقراطية وفشل التداول السلمي على السلطة، فإننا شعب يستحق الحرية، وممارسة الديمقراطية بعد عقود من الحكم الأوتوقراطي، رغم أن الحراك السياسي، يتجاذبه كثير من الأطراف والتيارات وزحمة المشاريع الوافدة والمستوطنة وتغييب المشاريع الوطنية الخالصة.