فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

هل يصلح أنطونيو غوتيريش ما أفسده الكبار؟

توافق أعضاء مجلس الأمن الدولي على انتخاب أنطونيو غوتيريس، ليكون خليفة للأمين العام للأمم المتحدة الحالي، بان كي مون، المنتهية مدة ولايته، وسط ظروف معقدة في مستوى الأمم المتحدة وسياسات مرتبكة في الملف السوري من جهة، وفي ظل تصاعد الخلافات الدولية ولا سيما الخلاف الأميركي - الروسي حول سوريا، الأمر الذي يشير صراحة إلى المهمات، التي يعلقها مجلس الأمن الدولي على مجيء الأمين العام الجديد، التي سيكون في مقدمتها تنشيط دور الأمم المتحدة في سوريا، وإجراء متغيرات في سياستها هناك من جهة، وتخفيف حدة الخلافات الدولية خصوصا الأميركية - الروسية فيما يتصل بالقضية السورية.
أنطونيو غوتيريس القادم إلى منصب الأمين العام، سياسي برتغالي مخضرم، تولى ملف اللاجئين للسنوات العشر الماضية، بصفته المفوض الأعلى للاجئين في الأمم المتحدة، وقبلها تولى مسؤوليات مهمة في بلاده منها رئاسة وزراء البرتغال صاعدا من داخل الحركة الاشتراكية، التي نشطت في تصفية الإرث الثقيل للديكتاتورية، التي عزلت البرتغال، وأعاقت نهوضها لعقود طويلة، قبل أن تطوى صفحتها في السبعينات، والرجل في تجربته الطويلة، كان حاضرًا وفاعلاً سواء في السياسة الداخلية، التي أثبتت نجاحه، أو في السياسة الدولية المرتبكة لملف اللاجئين، التي أحاطت به تطورات عاصفة، ولا سيما ملف اللاجئين السوريين الذي فرض تحديات ومشكلات، لم يشهدها الملف في وقت سابق.
بين النجاح والارتباك، يأتي الرجل إلى منصب الأمين العام، وقد شغله لسنوات طويلة الأمين العام السابق بان كي مون، وقد تميزت سياساته بالمواربة والتساهل، وتجنب اتخاذ مواقف وسياسات هي في صلب وظيفته، حيث لم تتعد تصريحاته في السنوات الست الماضية حول انتهاكات القانون الدولي وجرائم الحرب واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا وغيرها، التعبير عن القلق في أغلب الأحيان. بل إنها ترافقت مع اعتماده على مساعدين ومبعوثين أبعد ما يكونون عن مواصفات وظيفتهم.
تركة بان أمام خليفته أنطونيو غوتيريس بكل ما فيها من وقائع ومعطيات، والأهم أن الظروف التي قادت إلى هذه التركة، قائمة وتتفاعل بصورة سلبية وسط الخلافات الأميركية - الروسية، التي لا يمكن أن يفهم من موافقة الطرفين على مجيئه إلى منصبه، أنها انتهت أو أنها في هذا المسار، بل إن اختياره، وإن جاء باعتباره حاجة لإملاء هذه الوظيفة الأممية، فإنها تعبير عن رغبتهما في تمرير الضرورة بانتظار ما يمكن أن تصير إليه نتائج احتدامات سياسيتهما في سوريا وحولها.
وسط هذا الوضع، تبدأ المهمة الصعبة للأمين العام الجديد. غير أن ذلك لا يعني أنها بالضرورة ستكون استمرارا لعهد سابقه، بسبب سياسة الدوليين الكبار وارتباكاتها وارتكاباتها أيضا، بما سببته من مآس تم تمريرها في سوريا، وأغلبها ما زال مستمرًا، بل متصاعدا على نحو ما يبدو عليه الوضع في حلب بعد أسبوعين من حرب دموية مدمرة هناك لا تبدو لها نهاية.
الخطوة الأولى، التي ينبغي على الرجل القيام بها في إطار مسؤوليته الأممية، تأكيد دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومسؤوليتهما حيال الوضع في سوريا، خصوصا في جوانبه السياسية والإنسانية، وفي سياق ذلك لا بد له من توصيف ما يجري فيها استنادًا إلى الحقيقة وللنصوص والتجارب، التي عايشتها المنظمة الدولية في المراحل الماضية، والمضي نحو محاسبة المجرمين والمرتكبين. والخطوة الثانية المفترض القيام بها، هي السير بخطوات عملية إجرائية في صلب اختصاصه، أبرزها العمل على تطبيق القرارات والتوافقات الدولية، التي تم اتخاذها سابقًا في القضية السورية، والسعي نحو وقف العمليات العسكرية وإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، ولا سيما للمناطق المحاصرة، والعمل على وقف عمليات التهجير القسري الجارية للسوريين من مناطق سكنهم. ولعل الفاتحة العملية في هذا المجال خطوة يقوم بها الأمين العام باتخاذ موقف من ستيفان دي ميستورا، الذي أثبت أن مبادراته في القضية السورية ليست أكثر من عملية تمرير للوقت، واستفادة نظام الأسد منه، الذي ليس لديه حل سياسي، وإنما مجرد حل عسكري، يقوم على إعادة إحكام سيطرته على ما يمكن من سوريا، والتهرب من كل الجرائم التي ارتكبها.
ومما لا شك فيه أن انخراط أنطونيو غوتيريس الأمين العام الجديد للأمم المتحدة في مسؤوليات منصبه بصورة جدية لمعالجة القضية السورية، سيؤدي إلى تغييرات في سياسة المنظمة الدولية وأعمالها، وسوف يؤثر هذا التطور على سياسات الكبار الدوليين حيال سوريا. فهذا المنصب ليس بروتوكوليًا، وليس مرهونًا بما يقرره الكبار وحدهم، بل إن رجلا صاحب موقف مثله، سيعطي للمنصب أهميته وتأثيره.