د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وعبث المبعوثين

ليبيا في الواقع تعاني، بالإضافة إلى انقسامها السياسي، من وجود مبعوثين دوليين أغلبهم تعدى مهام الوصف الوظيفي لمهمته، من مبعوث دولي وسيط ينبغي أن يمارس الحياد والنزاهة إلى ممارسة التسلط والنفوذ، بل وحتى الوصاية والإملاءات أحيانا.
الأكاديمي اللبناني طارق متري، الذي حاول تمرير وإسقاط التجربة اللبنانية على الحالة الليبية، رغم اختلاف الحالتين، فالأولى كانت تعاني اصطفافا طائفيا مذهبيا وصراعا مسيحيا مسلما، في حين الحالة الليبية مختلفة تماما، فالمجتمع الليبي مسلم سني مائة في المائة، وليست هناك طوائف أو ديانات أخرى، فكانت قراءة الأكاديمي اللبناني طارق متري وتعاطيه مع الأزمة الليبية من خلال رؤية عوراء قاصرة، لدرجة أنه تعاطى مع صفحات «فيسبوك» أكثر من تعاطيه مع وفود القبائل والمدن (المكون الحقيقي للمجتمع الليبي)، وقد اعترف في كتابه أنه وصف مؤتمر القبائل بأنه نسخة أفغانية من «لو جيركا» رغم أنه تحدث عن تجربته في ليبيا ضمن كتيبه «مسالك وعرة»، ورغم أنه لم يتردد في كتابه عن تحميل النخب الليبية مسؤولية التفكك والفوضى.
ثم جاء دور الإسباني برناردينو ليون، الذي تنطط بجلسات الحوار في محطات متعددة من غدامس إلى الصخيرات مرورا بالجزائر وبرلين ونيويورك، ومارس ليون خلالها الوصاية على ليبيا وتعامل مع المتحاورين بفوقية، وإن كان عليه أن يحترم موقعه من الإعراب كمجرد مبعوث للأمم المتحدة، وفرض أسماء المرشحين للحكومة من خارج قوائم البرلمان والمؤتمر، وجاء بالسراج وإن كان نائبا في البرلمان، إلا أنه لم يكن ضمن قائمة البرلمان ولا المؤتمر حتى يتم اختياره، بل وتجرأ ليون وتدخل في مجلس الدولة، حين نصب عليه عبد الرحمن السويحلي علانية في مؤتمر صحافي، مما يؤكد تجاوزه لدوره كوسيط ومبعوث إلى مفوض سام.
برناردينو ليون، الذي سرعان ما اتضح أنه يبحث عن ورقة ضمن سيرته المهنية أكثر من حلحلة الأزمة الموكلة إليه من الأمم المتحدة، مارس العبث بمسودات الاتفاقيات لدرجة تعددت أرقامها رغم التوقيع بالأحرف الأولى على المسودة الرابعة من اتفاق الصخيرات، وهي بذلك تحولت من مسودة إلى وثيقة بعد التوافق والتوقيع، ومع هذا قفز ليون عليها، وجاء بمسودة أخرى معدلة من دون اتفاق ولا توقيعات، فرض من خلالها المجلس الرئاسي الحالي بتركيبته الحالية بتسعة شخوص، زعم أنها بمحاصصة من المناطق الثلاث (طرابلس وبرقة وفزان)، وأن غالبها أعضاء من جماعتي الإخوان والمقاتلة، في حين الوثيقة الرابعة الموقعة من أغلب أطراف الحوار والوحيدة المتفق عليها تنص على رئيس ونائبين، ولكن السيد ليون سار على نهج الترضية الإخوان متجاهلا إرادة الشعب الليبي الرافضة لذلك، وهذا سبب الأزمة الراهنة وجمود الاتفاق السياسي للخروقات التي تسبب فيها المبعوث الدولي برناردينو ليون الذي غادر ليبيا، بعد أن تسبب في تشظي أزمتها.
وجاء دور الألماني مارتن كوبلر والذي يعتبر عراب الميليشيات المسلحة دون منازع، والذي غرد على «تويتر» أكثر مما استمع لأطراف الصراع الليبي، رغم أن في الاستماع نصف الحل، بل وتسببت تغريداته غير المنضبطة في خلط الأوراق، وتعقيد المشهد، ولعل آخرها التي طالب فيها بتعديل قوانين مكافحة الهجرة في ليبيا، مما يعتبر تدخلا سافرا في شؤون دولة ذات سيادة، من قبل مبعوث دولي هو مارتن كوبلر، الذي كثيرا ما تحدى الليبيين كلما ازداد الضغط الشعبي والرسمي عليه، بالخروج من ليبيا بالقول إنه مفوض بصلاحيات من مجلس الأمن في تلويح منه بمنهج «العصا والجزرة» استنادا إلى البند السابع، في حين أن هذا غير صحيح ويتعدى دوره وحجمه الحقيقي كمبعوث دولي ضمن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
ليبيا المنقسمة سياسيا، التي أزمتها مشتركة محلية بالدرجة الأولى بانقسام نخبها السياسية؛ بين متعنت وفاشل ومراهن على الاستقواء بالأجنبي، وطاعة لمرشد من خارج حدود الوطن يحمل أجندة تخريبية، مقابل نخب وطنية تتلمس طريقها في مواجهة تكتل إقليمي ودولي متغول وعابث بالمشهد الليبي، وأخرى خارجية يحكمها تقاطع مصالح ونصيبها من الكعكة الليبية، في حاجة لمبعوث دولي نزيه وابن المنطقة، وليست لديه حسابات أخرى، وليست في حاجة لمبعوثين تحكم تصرفاتهم وتحركاتهم بورصة مصالح الدول الكبرى، وأصحاب المصالح من المحيط الإقليمي.