خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

نوري السعيد ظريفًا

لم يعرف السياسي العراقي الراحل، نوري السعيد، بالظرف والسخرية، بل ولا عرف ذلك عموما عن ساسة العراق. بيد أنه كانت له ومضات من الظرف والسخرية ترددت وما زالت تترد على ألسنة العراقيين، وقد أخذوا يترحمون عليه ويعضون أصابعهم على اغتياله.
أعتقد أنني مدين له ولذكراه ببعض هذه القفشات التي وردت عنه. كان يعاني الكثير من اعتراضات وتحديات المعارضة في مجلس النواب. كان من قادة المعارضة عبد الجبار جومرد. انبرى يكيل النقد لحكومة نوري السعيد. خاطب النواب فقال انظروا لهذا البلد، بلد هارون الرشيد والمأمون يوم أصبحت بغداد قبلة العالم، انظروا إلى ما آل إليه من الخراب والتخلف على يد هذه الحكومة القائمة. صفق نواب المعارضة له. بيد أن نوري السعيد وقف يرد عليه فقال: يا حضرة النائب المحترم، نحن لم نتسلم العراق من يد هارون الرشيد والمأمون. تسلمناه من الوالي العثماني الذي رحل من بغداد خلال الحرب العظمى، تاركا هذا البلد لنا كما تراه.
ضج نواب الحكومة بالضحك والتصفيق. رغم كل ما وجه إلى نوري السعيد من نقد فإنه طالما وضع العراق في منظوره الحقيقي وكان ملما بحقيقة تخلفه.
وشن عليه النائب محمد رضا الشبيبي حملة شعواء. التقاه في آخر الجلسة في ممرات المجلس فحذره من مغبة أي تغيير انقلابي. قال له: اسمع شلبي، إذا سقط هذا الحكم فستأتيكم حكومة تأخذ بناتكم من بيوتكم ولا تستطيعون أن تفتحوا فمكم بالاعتراض. مرت سنوات وسقط النظام وتسلم العساكر مقاليد الحكم في البلاد. كان من أول ما فعلوه أن بعثوا بالشرطة إلى بيت أخيه الشاعر محمد باقر الشبيبي واعتقلوا ابنته وزجوها في السجن. لم يملك النائب المحترم غير أن يركب سيارته ويذهب إلى مقر رئيس الحكومة الانقلابية الرئيس عبد السلام عارف. وقف أمامه وتذكر وذكر للرئيس ما حذر منه أبو صباح (نوري السعيد). سيأتون إلى بيوتكم ويأخذون نساءكم وأنتم صاغرون!
ولكن عبد السلام عارف هز رأسه وأمر بإطلاق سراح بنت الشبيبي.
لنوري السعيد ظرفه. كان في مصيف سرسنك مع رئيس الوزراء أرشد العمري عندما جاءهم الحارس بعذق تمر وصل توا من البصرة. انطلق العمري في التقاط التمرات الناضجة بما أزعج زميله. لم يعرف كيف يردعه. فنادى الطباخ. «مسرور، أنت تفهم بالأكل. التمر يؤكل قبل العشاء أو بعده؟»، أدرك مسرور الموقف الحرج ولكنه تخلص منه فقال: «سيدي فيه ناس ياكلون التمر قبل الأكل وناس ياكلوه بعد الأكل». لم يستفد أبو صباح من جوابه. «ولك مسرور إنت ما حكيت الصدق. إحنا ضيعنا طعم حلقنا!»، ولكن جوابه كان كافيا لردع العمري من التقاط التمرات الناضجة.