ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

«الميديا» الجديدة: حيرتنا مضاعفة

ليس بوسعنا استشراف إلى أين سيفضي هذا الشغف الجماعي بعالم «السوشيال ميديا». فنحن منغمسون في تلك المنصات على نحو يكاد يكون شاملاً، سواء على مستوى الصداقات والعلاقات الشخصية أو على مستوى التفاعل مع الأحداث ومع العالم.
الأكيد أن طبيعة تلك المساحات الجديدة لم تستقر بعد، والواضح أن حياتنا باتت أكثر سرعة وأكثر زخمًا، بحيث وجدنا أنفسنا أسرى تلك الحاجة الغامضة التي تحركنا لمواكبة هذه المنصات ولعرض حياتنا وآرائنا عبرها. لقد غلبنا ذاك الوباء وبتنا أسرى الحاجة لأن نكون على تماس مع كل ما يحصل معنا ومع العالم من حولنا على مدار اللحظة.
هذا التحول يطال كل شيء تقريبا ومن ضمن ما يطاله الإعلام والصحافة. فنحن، مَن نعمل في هذا المجال، نشعر بالخوف أحيانًا، ونحن نرى التحولات السريعة عالميًا، التي يلهث الجميع لمواكبتها على نحو مرهق وعشوائي أحيانًا. لقد تبدلت وسائط عرض المحتوى الصحافي وهاجس الجميع هو المواءمة بين القصة الصحافية وطبيعة المنصات الحديثة، خصوصًا «السوشيال ميديا» التي باتت كأنها وسيلتنا لصوغ علاقتنا بما يجري من حولنا، مما خلق نوعًا من انعدام المركزية المعلوماتية. هذا الأمر ليس سلبيًا بالمطلق، وقد اختبرناه مرارًا في المنطقة العربية وما زلنا. نعم، ساعدت «السوشيال ميديا» في بداية الثورات العربية في نشر التوعية والتعبئة وحشد الناس في الشارع، لكن سريعًا ما تم تقويض النجاح. فقد غلب على تلك المنصات ردود الفعل العاطفية وتسيدت الكثير من الخطابات الشعبوية الديماغوجية، فضلاً طبعًا عن المراقبة والملاحقة والمنع. نجحت «السوشيال ميديا» في إعطاء الناس صوتًا، لكنها أيضًا تحولت في أحيان كثيرة إلى صوت سلبي مفعم بالكراهية والسلبية والانغلاق.
في «السوشيال ميديا» نعيش ما يشبه احتضار النص والكلمة لصالح تضخم دور الفيديو والصورة. بات الجميع ينحاز للفكرة اللماحة المختصرة لا إلى المطولات النقاشية المعمقة. مع هذا لا يمكن لأي تطور مهما كان أن يجرد الصحافة من دورها الأساسي.
في كل مرة يظهر إبداع تقني جديد؛ تتغير «الميديا»، ويأتي هذا التغيير مصحوبًا بمخاوف من أنه سيحل موضع التكنولوجيا التي سبقته. صحافيو الجرائد خافوا من صعود الراديو، ومحررو الإذاعات توجسوا من التلفزيونات، وتلك جميعها أربكها الإنترنت. مع ذلك وفي كل حالة انتهى الأمر بأن تعايشت تلك الوسائط مع بعضها، بل وتعاونت من خلال اعتماد الصحافيين على طرق مختلفة لتقديم قصتهم الصحافية. ليس هناك سبب لنفكر أن «وسائط الميديا» الحديثة لن تلحق النموذج نفسه. الأكيد أن طريقة استهلاك الأخبار تتغير لكن محتوى الأخبار وأساسيات القصة الصحافية لا تزال راسخة. والإعلام الذكي هو القادر على استخدام منصات ليس فقط كسبيل للتوسع والوصول للجمهور، ولكن أيضًا لتجربة طرق جديدة في تقديم القصة الصحافية.
عربيًا التحدي مضاعف في ظل العلاقة الوثيقة بين رأس المال والسلطة، وبالتالي فإن الحديث عن سوق تنافسية توائم ما بين قدرة القصة على خلق أثر والوسائط الجديدة لا يزال في بدايته، ومعوقاته كثيرة. هذا ما يجعل الحيرة العربية إزاء التطور الذي يعيشه الإعلام والتكنولوجيا مثار ارتباك أكثر منه مجالاً لفرص جديدة.

[email protected]