زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

حدث في فيلادلفيا ونيويورك

عشت في مدينة فيلادلفيا سبع سنوات وأنا طالب دكتوراه في جامعة بنسلفانيا، وعلى مدى السنوات السبع صار لي أصدقاء وعلاقات زمالة بكل المهتمين بالتاريخ والثقافة. ولم تنقطع علاقتي بفيلادلفيا بعد نيلي الدكتوراه والعودة إلى مصر، حيث تكررت زياراتي للمدينة محاضرًا عن الفراعنة وتاريخهم وإنجازاتهم في مجالات الحضارة والعلوم. والأميركان، بصفة عامة، شعب مغرم بالفراعنة والمومياوات والأهرامات وأسرار الاكتشافات الأثرية. وقد حدث في إحدى زياراتي للمدينة لإلقاء محاضرة أن تمت دعوتي للقاء تلفزيوني للحديث عن الفراعنة قبل المحاضرة بيوم واحد. وفي أثناء الحوار، سألني المحاور عن أصل الفراعنة، وهل أتفق مع ما قاله الباحث السنغالي الشيخ أنتاديوب الذي ذهب إلى أن الفراعنة أصلهم زنجي؟ وبالتالي، فإن السود بأميركا ينتمون إلى الفراعنة! فكان ردى بالطبع أن هذا الكلام ليس له أي علاقة بالفراعنة من قريب أو بعيد. وهناك أدلة مؤكدة تنفى هذا الكلام من أصله، وهى كالتالي:
أولاً: مومياوات الفراعنة تؤكد أنهم، بسماتهم التشريحية وملامح الوجه، لا ينتمون إلى الجنس الأفريقي الزنجي بملامحه المميزة، من الشفاه الغليظة والأنف المفرطحة والجبهة العريضة.
ثانيًا: اللون الأسود الذي يظهر على بعض المومياوات لا يعكس لون الجلد، ولكنه نتيجة الزيوت الراتنجية التي كانت تصب على المومياوات، وعندنا كثير من المومياوات لون بشرتها مثل بشرة المصريين إلى يومنا هذا، وعلى سبيل المثال: مومياء رمسيس الثاني.
ثالثًا: صور المصريون القدماء مناظر استقبال الوفود الأفريقية، وهداياهم إلى الملك، وإلى الوزير وكبار رجال الدولة. وفى هذه المناظر المصورة التي تبدو تمامًا مثل الصور الفوتوغرافية، حرص الفنان المصري على إظهار السمات الخاصة بالقبائل الزنجية، والأخرى النوبية، وكذلك القبائل الليبية، وأخيرًا البدو. ومن خلال هذه المناظر، نرى الفرق واضحًا بين المصريين وسماتهم التشريحية، والأجناس الأخرى. والمناظر التي تصور لقاء الفراعنة بالقبائل الأفريقية كثيرة، ومن أشهرها بعثة الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت.
المهم أننى بعد هذا الحديث واللقاء التلفزيوني، وجدت ثورة عارمة بالمدينة، وخرجت المظاهرات التي تندد بما قلت، على الرغم من أنني لم أقل كلمة واحدة دون دليل، وقد أيدني كل علماء المصريات والأنثروبولوجي. ونتيجة مظاهرات الأميركان الأفارقه، تأخرت عن موعد المحاضرة لمدة ساعتين، وكان حدث لا ينسى مع مدينتي المفضلة فيلادلفيا.
حادثة أخرى لا أنساها، عندما سافر معرض توت عنخ أمون إلى لوس أنجليس، وقمت بعمل لقاء تلفزيوني في برنامج «صباح الخير.. أميركا»، مع المذيعة الشهيرة دايان سوير، وكانت في غاية اللطف، وسألت عن كل ما يحب الأميركان سؤاله لعالم مصريات، ثم أرادت أن تخفف من حدة الأسئلة العلمية، فسألتني عن رأيي في موضوع لعنة الفراعنة. وحكيت لها بعض القصص الطريفة عن قصص اللعنة، وما حدث مع اللورد كارنارفون، ممول حفائر المقبرة الذي مات بعد الكشف بخمسة شهور، والسبب كان لدغة ناموسة! وبدأت أسهب في شرح أسباب ظهور ما يسمى بلعنة الفراعنة، وكيف أسهمت الميديا والصحافة الأجنبية في تأييد مزاعم وجود اللعنة، عن طريق ربط كل الحوادث التي حدثت بطريق أو بآخر بالكشف عن مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ أمون! ولم أكد انتهى من اسم توت عنخ أمون حتى سمع كل الموجودين بالاستوديو صوت انفجار كشاف إنارة ضخم ونحن على الهواء، وبدأ كل الفنيين في الصراخ وهم يقولون: هذه لعنة توت عنخ أمون!