خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من ظرفاء السياسة البريطانية.. إينوخ باول يمين اليمين

كان إينوخ باول يعتبر في الستينات والسبعينات من أظرف وأذكى وأثقف الساسة البريطانيين واحتل مكانة مرموقة في الأوساط الأكاديمية ولا سيما بين صفوف جامعة أوكسفورد. توقع الكثيرون أن يتزعم حزب المحافظين وبالتالي أن يتسلم الحكم رئيساً للوزراء في بريطانيا. ولكن ذلك النجم الساطع سرعان ما انطفأ وأخيراً خبا كلياً من الساحة، وذلك لتبنيه سياسة متطرفة ورجعية تمثل يمين اليمين في حزب المحافظين.
لكل زعيم كلمة تلصق به. والكلمة التي التصقت به هي «أنهار من الدم» وفي الأخير حطمته وأنهت حياته السياسية. كان من أشد الساسة البريطانيين في مهاجمة تدفق المهاجرين إلى بريطانيا. قال في خطاب تاريخي إن وجود الملونين سيؤدي إلى مصادمات عنيفة مع السكان الأصليين الانجليز بما يفضي إلى تدفق «أنهار من الدم» في انجلترا.
رغم كل ما عرف عنه من ثقافة ومعرفة، فإنه لم يلاحظ هذا الشيء البسيط، وهو أن الانجليز، والأنغلو - سكسون عموماً، لا يحبون التطرف ويميلون إلى الاعتدال والوسطية. وأنا أعتقد أن ميلهم للاعتدال نتج عن اعتدال مناخهم، فبريطانيا لا تعرف البرد الشديد ولا الحر الشديد. لهذا لم تنتشر النازية ولا الشيوعية ولا اللاسامية ولا العنصرية بين ربوعهم. والحديث عن تدفق أنهار من الدم بسبب وجود الملونين في البلد ينم عن تطرف عنصري شنيع. ونرى الآن مدى خطأ حساباته. فلم تقع أي مذابح دموية بين السكان الأصليين والمهاجرين الملونين. وهذا ما أدى إلى أفول نجمه بسرعة.
وكانت مشكلة إينوخ باول أنه كان يعطي طروحاته العنصرية هذه صوراً أدبية وشاعرية تثير المشاعر وتمتزج بسخرية قوية. الحديث عن «أنهار من الدم» مثال على هذه الصور الأدبية. وقد امتاز في ظرفه بسرد الطرائف والحكايات. تعرض لتعهدات الحكومة فقال إنها تذكره بذلك المسافر. وقف في القطار وخاطب الجالسين قائلا:
«يا جماعة، هناك فيلة في طريقها للهجوم علينا في هذا القطار، ولمنعها من ذلك علينا أن نسد الشبابيك بجرائدنا. وها أنا أقوم بذلك». نشر جريدته وسد بها الشباك. وعندما وصل القطار إلى المحطة، أنزل جريدته وخاطب الجالسين: أرأيتم؟ وصلنا سالمين. وكله لأنني سددت الشباك بجريدتي فلم تستطع الفيلة الدخول!
وفي حكاية أخرى راح يسخر من عادة المجلس في الاستمرار في المناقشات حتى ساعة متأخرة من الليل. استعار شيئاً من تاريخ الفراعنة. قال إن عرافاً قال في البلاط إن هذا الملك لن يعيش أكثر من ثلاث سنوات. فتخوف الملك من ذلك وراح يتنقل من بلدة إلى بلدة ليتفادى الموت. مرت ست سنوات فعاد فرعون وخاطب الوزراء: أرأيتم؟ لم أمت. هذا العراف لا يعرف شيئاً.
روى إينوخ باول ذلك للمجلس وقال: مثلنا في الانعقاد ليلاً يماثل ما فعله فرعون. الأسبوع من سبعة أيام وسيبقى عملنا في هذا البرلمان لسبعة أيام سواء واصلنا الجلسة في الليل أم لم نفعل.