د. عبد المنعم سعيد
عضو مجلس الشيوخ المصري حالياً، ورئيس مجلس إدارة «مؤسسة المصري اليوم» الصحافية في القاهرة، ورئيس اللجنة الاستشارية لـ«المجلس المصري للدراسات الاستراتيجية»، وسابقاً كان رئيساً لمجلس إدارة «مؤسسة الأهرام» الصحافية، و«مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، و«المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية»، وعضو مجلس الشورى المصري. كاتب في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ عام 2004، و«الأهرام» و«المصري اليوم»... وعدد من الصحف العربية. أكاديمي في الجامعات والمعاهد المصرية، وزميل زائر في جامعة «برانديز» الأميركية، ومؤلف للعديد من الكتب.
TT

موعد مع الرئيس الأميركي؟!

لم ينته الحديث عن الانتخابات الأميركية بعد، ولكن أيا كانت نتائج المنافسة بين الديمقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، فإنه في يوم 8 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل سيكون هناك رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية. وفور ظهور النتيجة، فإن الرئيس الجديد سيبدأ في إجراءات تسلم السلطة من الرئيس الحالي باراك أوباما؛ وهي عملية دقيقة يتم فيها نقل الملفات والتعريف بالقضايا المختلفة، من طاقم الرئيس القائم إلى طاقم الرئيس المقبل الذي سيحلف اليمين، ومن بعدها يبدأ في تولي مهام منصبه يوم 20 يناير (كانون الثاني) 2017. الرئيس الجديد في العادة لا يأتي إلى السلطة خالي الوفاض، وعلى الأغلب أن لديه طاقما جاهزا بالأفكار والبرامج في الموضوعات الداخلية والخارجية كافة. ولكن ذلك وحده لا يكفي؛ فقد بات واحدا من أهم مهام مراكز البحوث والدراسات أن تضع ما تتصوره مهمة الرئيس الجديد، كل حسب تخصصه من قضايا الحرب والسلام، وحتى قضايا البيئة.
لن يختلف أحد على أن الشرق الأوسط بات واحدا من الموضوعات المهمة على مائدة أي من سكان البيت الأبيض. ومنذ منتصف العام الماضي بدأت مراكز البحوث المختلفة تنتج تقارير كثيرة عن كيفية معالجة أكثر مناطق العالم خطورة بسبب الإرهاب واللاجئين وعدم الاستقرار والفوضى التي تتولد عن صراعات مزمنة فيها. وسبق لي في هذا المقام عرض ومناقشة بعض من جهود ما عرف باسم «ميسك Middle East Strategy Task Force» التي تكونت في إطار مؤسسة «المجلس الأطلسي» لتقديم علاج لأمراض المنطقة نجم عنه بعض من التقارير التي تعاملت مع موضوعات الأمن والاقتصاد والحكم وغيرها، ولكن التقرير النهائي الذي يشمل كل هذه الموضوعات لا يزال رهن الإعداد. ولكن إيلان غولدنبيرغ، وهو أحد المشاركين في لجنة الأمن في المشروع، ومدير برنامج أمن الشرق الأوسط في «مركز الأمن الأميركي الجديد CNAS» خرج بتقريره الخاص الذي ينصح به الرئيس الأميركي عما يجب عليه فعله تحت عنوان «إعادة الاهتمام والتفاوض والمأسسة: استراتيجية متعددة المراحل للرئيس القادم».
وبغض النظر عن المراحل الثلاث الموجودة في التقرير، فإن المثير فيه أنه يقدم النصائح للرئيس فيما يتعلق في المائة اليوم الأولى من ولايته. الخطوة الأولى للرئيس هي أن يعلن عن رحلة إلى الشرق الأوسط يزور فيها شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، وهم: الأردن، السعودية، الإمارات، تركيا، العراق، مصر. وكذلك إسرائيل،
مثل هذه الزيارة تمثل رسالة ورموزا بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالانخراط في الإقليم، وأنها لا تنوي الانحراف باتجاه «بلاد فارس (أي إيران)». والخطوة الثانية تشكيل لجنة عليا من المؤسسات الأميركية (الدفاع والمخابرات والخارجية ومجلس الأمن القومي) للمراجعة الاستراتيجية للموقف في الشرق الأوسط، ومعالجة «الفراغ الأمني» فيه بحيث يتحمل شركاء الولايات المتحدة النصيب الأكبر من المسؤولية. ورغم أن سوريا والعراق سيكونان اتجاه الجهود الأولية، فإن الهدف سيكون وضع نموذج يمكن أن يجري استخدامه في ليبيا واليمن. والخطوة الثالثة هي أن يطلب الرئيس من الدفاع والمخابرات وضع خطط لمقاومة السلوك الإيراني الباعث على عدم الاستقرار في المنطقة بالتعاون مع إسرائيل من ناحية، ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من ناحية أخرى. هذه الخطط تكون من أجل مواجهة الأنشطة الإيرانية وإحباطها، وإعطاء إشارة أن الولايات المتحدة قادرة على الرد، وإرسال إشارة للشركاء بالاطمئنان. باختصار، فإن مواجهة إيران ستكون على قمة جدول أعمال زيارة الرئيس الأميركي القادم.
الخطوة الرابعة هي أن ينظر الرئيس في صفقات السلاح الخاصة بشركاء الولايات المتحدة، التي لا تتضمن تعقيدات بيروقراطية أو فنية، بحيث يمكن الموافقة عليها والإعلان عنها أثناء رحلة الرئيس، بحيث تقدم رسالة على مصداقية الولايات المتحدة والتزاماتها في المنطقة. والخطوة الخامسة هي التأكيد على التزام الولايات المتحدة بتنفيذ «الخطة الشاملة المشتركة للعمل JCPOA» مع الشركاء في المنطقة، ولكن مع استمرار الحوار مع وزير خارجية إيران أحمد جواد ظريف مع إبلاغ الشركاء العرب بنتائج هذا الحوار.
الخطوات الخمس لا يوجد فيها جديد عما قامت به إدارة أوباما من محاولة الشراكة مع الدول العربية من ناحية، وإبقاء الخطوط مفتوحة مع إيران من ناحية أخرى. ولكن ومن دون الدخول في تفاصيل بقية التقرير وما فيه من مراحل، فإن التوصيف للعلاقة القادمة من وجهة نظر واضع التقرير هو محاولة الوصول بالسياسة الأميركية في المنطقة إلى مكان وسط بين المحرقة والالتزام المبالغ فيه من قبل جورج بوش، ومحاولة فضّ الارتباط بالمنطقة التي حاولها باراك أوباما. ولعلنا سنقوم بزيارة أخرى للتقرير، وغيره من التقارير المماثلة فيما بعد، ولكن ما يهمنا هنا ما أشار إليه التقرير عما يجب أن يفعله الرئيس الأميركي خلال المائة يوم الأولى من ولايته؛ لأنه يفرض علينا في العالم العربي، أو تحديدا في الدول المتوقع زيارتها، الاستعداد لزيارة الرئيس الأميركي المبكرة إذا ما استمع إلى النصائح التي وجهت إليه، وربما أيضا إذا استمع إلى نصائح أخرى ستطلب منه الابتعاد عن الشرق الأوسط بُعد الأرض عن السماء السابعة.
باختصار، فإنه آن الأوان للابتعاد عن سياسات رد الفعل التي تنتظر ما سيقول به الرئيس الأميركي، وما سيأتي به من رسائل ورموز، ثم نتفاعل معه على أساس ما نسمع ونرى. فعلى مستوى كل دولة عربية على حدة، فإن هناك حاجة إلى تعبئة الجهود الخاصة بالمؤسسات المختلفة للتعامل مع الرئيس الجديد، حيث نتعرف إلى كل من سيكون عضوا في إدارته، وما هو مطروح عليه من أفكار واستراتيجيات. هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى فسيكون علينا تحديد المصالح التي تضع جدول أعمال اللقاء مع الرئيس الأميركي. هذا الجهد، وما يحتوي عليه من معلومات، وتعريف بالمصالح، ربما يكون مفيدا لو تم عرضه على لجنة مشتركة بين الدول العربية المضيفة تخرج باستراتيجية للتعامل مع الرئيس الجديد. نحن نعلم من سوابق التعامل مع الولايات المتحدة، التي نشرت في الكثير من المذكرات الرئاسية الأميركية (وأيضا وزراء الخارجية ومستشاري الأمن القومي وقيادات المخابرات) أن العادة جرت على التعامل مع كل دولة عربية على حدة، وأن بعضا من الدول العربية تفضل أن تجعل علاقتها مع الولايات المتحدة أمرا خاصا بها. ولكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة، وإن كانت تفضل التعامل المنفرد مع كل دولة إلا أن مصالحها، وبرنامجها، واستراتيجيتها، ستقوم على نظرة إلى الدول العربية بصورة جماعية، سواء من ناحية الاستراتيجية، وفي أحيان كثيرة التكتيك. الأمر هكذا يحتاج إلى تعامل مماثل، خصوصا فيما يتعلق بالاستقرار في المنطقة، واستعادة الدول العربية التي فشلت، ومواجهة التحركات الإيرانية، والتقييم المستمر للعلاقات الأميركية الإيرانية، والأميركية الروسية أيضا. ببساطة، فإن الأمر كله يحتاج إلى الكثير من الاستعداد المبكر؛ فالسجادة الحمراء التي ستفرش للرئيس الأميركي الجديد لن تكون كافية!