خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

هموم المسرح العربي

رغم كل شكوانا عن أحوالنا الحالية في العالم العربي، علينا أن نتذكر الخطوات الكبيرة التي خطوناها في مسار التقدم والتحديث. من ذلك وجود مسرح وطني في كل عاصمة عربية تقريبًا، وربما أيضًا فرقة مسرحية وطنية. ولم يعد من الغريب أن تشارك امرأة في كثير من هذه الفرق، وتؤدي دورها، أو تغني أمام الحاضرين.
لم يكن الأمر كذلك قط. حتى في العراق، لم يكن هناك أي مسرح حتى الخمسينات. وعندما تدفقت عوائد النفط، وأسسوا مجلس الإعمار، اقترح البعض أن يخصص ما يلزم لبناء مسرح وطني. أجاب المسؤولون على الفكرة بازدراء. قالوا: نحن نبني مستشفيات ومدارس ومكتبات، ويتهمنا المعارضون بأننا نبذر أموال الشعب، فكيف لو أننا بنينا لهم «شانو»؟
الشانو باللغة الإيطالية خشبة المسرح الذي تغني وترقص عليه الراقصات. هكذا، كانت السلطة تنظر للمسرح باحتقار. في غياب ذلك، كانت الفرق المسرحية تؤدي أدوارها في دور السينما والملاهي الليلية. كانت هناك فرقة الزبانية التي ترأسها الحاج ناجي الراوي، وبرز فيها حميد المحل. استولى عليه السرور عندما طلبت سينما رويال، في شارع الرشيد، أن يقدم شيئًا من الأعمال المسرحية أمام شاشة السينما. وكان ذلك عندما خرب جهاز العرض السينمائي، ولم يكن هناك في بغداد من يعرف كيف يصلحه، وتعطلت السينما. فكر صاحبها في تأجيرها لفرقة مسرحية. تم الاتفاق على ذلك، وبدأ الممثلون بالتدريب لتقديم عمل من أعمال شكسبير. لم تكن هناك أي وسائل للإعلان. فاستأجروا رجلاً يضرب على الطبل، وينادي: «أعظم تراجيديا من تأليف الخواجة شوكسبير. وإذا ما تعجبكم نرجع لكم فلوسكم!».
بعد الكثير من التطبيل، استطاع بيع تسع بطاقات، ست منها نقدًا وثلاث بالدين لنهاية الشهر. لاحظ الحاج ناجي أن تسع تذاكر لا تسد حتى إيجار القاعة. فراح يؤجل العرض من ساعة إلى ساعة، أملاً في كسب زبائن آخرين. أسفر الموضوع عن معركة طاحنة بين الزبائن والممثلين الذين رفضوا إعادة ثمن التذاكر لهم.
ظلت حكايات المسرح في العالم العربي حكايات أليمة. كان القدامى يقولون من طلب التفسير كفر، ومن طلب الكيمياء افتقر. وآن لنا أن نضيف جزءًا آخر للمعادلة، فنقول من مارس الفن طفر، ومن اشتغل في المسرح انقهر. وما عانته فرقة الزبانية في العراق، شهدت مثله الفرق المسرحية الأخرى في بقية العالم العربي. استمر ذلك لسنوات كثيرة حتى ظهرت السينما أولاً، ثم الراديو والتلفزيون. وكان من أول مآثر ذلك أن فتحوا المجال لفرقة الزبانية لتقدم كوميدياتها على الراديو أولاً، ثم انتقلت إلى التلفزيون، كما جرى للكثير من ممتهني التمثيل والإخراج. تغيرت الأحوال من حال إلى حال، وأصبح المخرجون والممثلون يعيشون في ترف نسبي الآن، غالبًا ما يفوق ترف المطربين والموسيقيين وما ينالونه من احترام وتقدير.