إميل أمين
كاتب مصري
TT

اليمين الياباني.. صحوة القومية التاريخية

ضمن التغيرات السياسية الدولية التي تجري بها المقادير بسرعة كبيرة جدًا في الأيام الأخيرة، غاب عن ناظر المشاهدين ما يحدث في اليابان، فقد غطت أخبار فرنسا والعمل الإرهابي هناك، عطفًا على محاولة الانقلاب في تركيا، على نتائج انتخابات مجلس مجلس الشيوخ، تلك التي يمكن أن تدفع البلاد إلى مسار تصادمي مع جيرانها وحلفائها، مسار يغير من استقرار المشهد الآسيوي بدرجة كبيرة، لا سيما بالنسبة لعلاقات اليابان بجارتها الأقرب وعدوتها التاريخية الأكبر الصين، وبالقدر ذاته تؤثر تداعيات تلك النتائج على العلاقات الأميركية - اليابانية بشكل فاعل.
والشاهد أن الائتلاف الحاكم بزعامة رئيس الوزراء شينزو آبي، قد حقق فوزًا ساحقًا بحصوله على ثلثي المقاعد، وهي أغلبية يمكن أن تسمح للائتلاف بالبدء في مراجعة القيود الدستورية على العمليات العسكرية في الخارج، التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية.
ما الذي يجري في اليابان؟
ينظر الكثيرون اليوم إلى آبي بوصفه صاحب نزعة يمينية ظاهرة ويتقدم صفوف الحزب الليبرالي الياباني أحد روافد اليمين هناك، الذي يجزم بأن الوقت قد حان لتغيير الإرث الذي خلفته هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية.
على سبيل المثال يحاجج أنصار آبي لا سيما من جماعة «نيبون كايجي» أو «مؤتمر اليابان»، بأن الوقت قد حان للخلاص مرة وإلى الأبد من الدستور الياباني، الذي وضعت لبناته العقول الأميركية عام 1947، وخصوصًا أن المادة التاسعة فيه تنص على أن الشعب الياباني لا بد أن يتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للأمة، ويتخلى كذلك عن التهديد بالقوة أو استخدامها كوسائل لتسوية النزاعات الدولية، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف لن يتم الاحتفاظ أبدًا بأي قوات برية وبحرية وجوية، ولا بأي آلة حربية أخرى.
هذا الدستور يراه آبي وجماعته في حاجة ماسة وسريعة للتغيير الجذري من أجل تلبية التوقعات الدولية التي تريد من اليابان أن تشارك في مساهمات المجتمع الدولي.. لكن ماذا عن جماعة «نيبون كايجي» تلك التي سبق الإشارة إليها؟
أفضل تعبير منها هو ما استخدمته صحيفة «ذا ديلي بيست» الأميركية للتعريف بها، وهو أنها حركة تحاول استرجاع عجلة التاريخ واستنهاض روح اليابان القديمة، وقد تأسست عام 1970 على يد جماعة من الشنتو الليبراليين، والشنتو هي أقدم الديانات اليابانية، وتدعو «نيبون كايجي» إلى إعادة بلورة القيم الأخلاقية والاجتماعية اليابانية التي تلوثت من جراء الأمركة والتغريب طوال سبعة عقود والالتزام بالصالح العام، وتغليب النهج الأخلاقي الياباني التاريخي على القيم البراغماتية. وعند أنصار آبي في تحالفه مع «نيبون كايجي» أن غياب الروح الوطنية في المناهج التعليمية خطر كبير نتج عنه مظاهر غريبة ومفسدة.
هل تخشى الولايات المتحدة مثل تلك الصحوة الأخلاقية وثورة المبادئ اليابانية؟
ما يهم الولايات المتحدة بنوع خاص هو بقاء اليابان محلقة في الفضاءات الأميركية، من خلال ملامح العلاقة التي صاغها مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبغنيو بريجنسكي ذات مرة في شكل معادلة، تقدم فيها واشنطن الأمن والحماية لطوكيو، في حين يجد رأس المال الياباني طريقه لتجديد المصانع الأميركية وتطوير التكنولوجيا وتنشيط السوق الأميركية.. هل هذا كل شيء؟
بالقطع لا، فهناك ما تخشاه واشنطن ويتصل بالانتشار النووي حول العالم واختلال الموازين الدولية، وفقدان اليابان صديقًا وحليفًا استراتيجيًا في شرق آسيا، وبالقرب من القطب المقبل، أي الصين، وبالجوار من روسيا - بوتين العدو التقليدي لواشنطن.
وباختصار غير مخل فإن اليابان حال تغييرها الدستور لن يمنعها شيء أو أحد ما من إمكانية حيازة أسلحة نووية، والجميع يعرف أن لدى اليابانيين كميات من البلوتونيوم تكفي لإنتاج 40 أو 50 رأسًا نوويًا، وأنها قادرة على تحويل صناعاتها للطاقة النووية السليمة إلى صناعات نووية عسكرية بسهولة شديدة، ويكفيها ستة أسابيع لإنتاج أول سلاح نووي خاص بها.
هل يزعج هذا التحول الصين؟
الأمر بحاجة لقراءة مستقلة، إذ يعد هذا التغيير زلزالاً يمكن أن يضرب المسافة من بكين إلى طوكيو، وسينعش حروبًا وضغائن تاريخية من جديد، والصينيون لا ينسون ما تعرضوا له في حقب تاريخية سابقة من امتهان لسيادتهم بسبب قوة اليابان العسكرية، ولهذا فإن سيناريو النووي الياباني كابوس مزعج لهم.
في كتابه «النظام العالمي.. تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ»، يؤكد هنري كيسنجر أن اليابان ما إن تشعر بأن تشكلاً جديدًا للقوة بات يتكشف في إقليمها أو في العالم حتى تسارع إلى عطف أمنها على تقديرها للواقع لا على تحالفات تقليدية.. هل اليابان على حافة ثورة غير تقليدية في سياساتها الخارجية والداخلية؟