د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

التدين الشكلي

ما إن أقبل شهر رمضان المبارك حتى انهالت علينا الدعوات والطقوس الدينية، بعضها صادق وملتزم، لكن كثيرًا منها يدخل في خانة الخيال والكذب والنفاق غير العقلاني. ففي هذا الشهر من المفترض أن تتوقف كل الحروب وحالات العنف والإرهاب والغش والكذب والخداع والرياء والنفاق وغيرها من المحرمات.. ما يحدث عمليًا وفعليًا لا يتفق مع ما يدعو له الإسلام في هذا الشهر الفضيل!
لا نعرف، لماذا تزداد وتيرة الفتاوى الشرعية في أمور لا علاقة لها بالدين، مثل الطب مثلاً..؟! كثير من الناس يسألون مشايخ الدين قائلين لهم: هل يجوز التزامهم بالصيام في حالة مرضهم بمرض مزمن، مثل السكري وغيره، وتأتي إجابة المشايخ آمرة بالصيام، وهو شخص غير متخصص بالطب، وغير مطلع على التحاليل أو تشخيص المريض. الأمر المستغرب هو الفهم الخاطئ لتعاليم الدين، ففي هذا الشهر من المفترض على كل مسلم صادق مع نفسه، ومع ربه، أداء الفرائض دون بهرجة وإعلان.. ففي السابق كان المسلمون يذهبون للصلاة مشيًا، أما الآن فنجد مصلين لا يلتزمون بأبسط الأمور الحضارية؛ إذ يغلقون الشوارع، ويركنون سياراتهم في غير أماكن الوقوف، وكل عذرهم أنهم يريدون صلاة الجمعة، وهم في عجلة من أمرهم.. هذه الظاهرة غير الحضارية نجدها تُمارَس طوال العام لكنها تكثر في هذا الشهر الفضيل.
من السلبيات التي ترافق قدوم شهر رمضان كثرة الجمعيات الخيرية الإسلامية والدعوة للتبرع لإفطار صائم محليًا أو خارجيًا في أي دولة من دول المسلمين.. المشكلة تكمن في حقيقة هل هي فعلاً جمعيات خيرية أو جماعات إسلامية سياسية تستغل عواطف الناس في هذا الشهر الفضيل لجمع التبرعات لأحزابهم الدينية؟! وقد منعت الحكومة الكويتية جمع التبرعات والزكوات في دور العبادة، لأنه لا أحد يعرف أين تذهب الأموال.
ما إن يقبل الشهر الفضيل حتى تزداد ظاهرة التسول والشحاذة بأعداد كبيرة، ومعظم هؤلاء ليسوا فقراء أو محتاجين بل نصابون يستغلون هذه المناسبة الدينية لاستغلال العواطف الدينية وجمع المال، ففي الكويت اكتشفت السلطات أن الكثير من المتسولين يدخلون عن طريق فيزا (سمة دخول) للزيارة أو الالتحاق بعائل.. لكن مهنتهم الرئيسية التسول في شهر رمضان. الغريب أن بعض المتسولين يستأجرون سيارة مع سائق لتسهيل انتقالهم من منطقة إلى أخرى (التسول على الطريقة الخليجية). خداع الناس في رمضان واستغلاله لأغراض مالية لا يقتصر على الفقراء فقط، بل نجد أصحاب الفنادق والمطاعم يروجون لما يطلق عليه «الخيام الرمضانية»، حيث يقدم الفطور أو السحور للعائلات مع أصوات الموسيقى الهادئة، كما تُقدم كل أنواع المأكولات والمشروبات والعصائر وغيرها مع تقديم خدمة الشيشة (النارجيلة) حتى قبل أداء الفجر. شهر رمضان المبارك من المفترض أن يعلم المسلم ضبط النفس والتقليل من الأكل حتى يشعر بما يشعر به الفقراء، بخلاف ما نشهده في العالم العربي عمومًا والخليج بشكل خاص من هرولة الناس وازدحامهم في الأسواق والجمعيات التعاونية لشراء حاجات شهر رمضان بكميات هائلة تكفي لستة أشهر وليس شهرًا واحدًا.. ورغم التطمينات الحكومية بأن كل شيء متوفر ولا حاجة للازدحام والهرولة لشراء الأطعمة، فإن هذه الظاهرة غير الحضارية تعود كل عام مع قدوم الشهر الفضيل. ما نراه من تصرفات في هذا الشهر الفضيل، ما هو إلا ديانة شكلية مصطنعة بعيدة جدًا عما كان المسلمون الأوائل يمارسونه من بساطة وتواضع في العبادات وكرم وجود تجاه الفقراء والمحتاجين وتواصل مع الأهل والجيران وممارسة دينية بعيدة عن البهرجة وادعاء التدين.. مبارك عليكم الشهر وكل عام وأنتم بخير.