جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

سياحة المنزل

قد يكون السفر متعبا مهما كانت وسائله مريحة، فإذا سافرت على متن خطوط رائدة في الدرجة الاولى أو درجة رجال الأعمال تكون وطأة التعب أخف ولكنها موجودة، فارق الوقت بين المدن والاستيقاظ الباكر وحتى توضيب الحقيبة.. كلها عوامل من شأنها أن تشعرك بالتعب.
وإذا كان عملك يفرض عليك السفر عدة مرات بالشهر، كيف يمكن أن تخطط لعطلتك؟ هذا السؤال يطرح نفسه على الاشخاص الذين يسافرون باستمرار بداعي العمل، وقد يكون الجواب في حالة هؤلاء إن أفضل عطلة بالنسبة لهم هي "عطلة المنزل"، فلا يوجد مكان في العالم مثل المنزل، فيه تنعم بالراحة والطمأنينة، وصدقني عزيزي القارئ، يمكنك أن تقوم به بأجمل عطلة قصيرة في المنزل، فلا حاجة لحزم الأمتعة، لا بل سيكون لديك متسع من الوقت لتنسيق حاجياتك والتخلص من الاشياء التي لا تحتاج اليها، وستكون هناك فرصة لدعوة الأصدقاء إليك وتناول العشاء أو الغداء معهم، كما أنك ستشعر براحة تامة ولن تكون مضطرا للاستيقاظ صباحا للقيام بمشروع معين أو الالتحاق بمجموعة سياحية، فتستيقظ في الوقت الذي يناسبك، تستمع للموسيقى التي تشاء تختارها، يمكنك البقاء بلباس النوم ومزج بزوغ الفجر ونوم الشمس بنفس الهندام، يمكنك القراءة، قراءة تلك الكتب المتكدسة الى جانب سريرك بانتظار عيون من يلقي نظرة عليها ويخلصها من عبء الغبار الذي يلفها من كل صوب، وبعد صباح هادئ، تخرج في رحلة مشي قصيرة، تتعرف الى معالم تراها كل يوم ولكنك لا تقدّرها، لأنك مشغول وفي عجلة من أمرك يوميا.
برأيي لا يوجد أجمل من هذا الشعور، لا مسؤولية، تمتع بثنايا منزلك الذي يعكس ذوقك وحسك وشخصيتك، ويحكي قصتك من خلال جدرانه ولوحاته، وحتى رائحته تشبهك وتعبر عنك. فإذن أين المشكلة في البقاء في المنزل لتمضية أجمل عطلة، وللتوضيح أنا أتكلم عن العطلات القصيرة من وقت الى آخر، لأن السفر هو تثقيف للروح ومتعة للعين وذكرى تبقى بالبال الى الأبد، ولكن في حالة الذين يسافرون كثيرا، فقد يكون هناك شرخ يفصلهم عن حميمية منزلهم، فهم لا يتمتعون به ويظنون بأنهم يعرفونه جيدا، ولكنهم يعاملوه في الواقع وكأنه نزل للنوم لا أكثر ولا أقل.
الطريف في فكرة "سياحة المنزل" هو أنه في كل مرة تكلمت بها مع صديق الأسبوع الماضي، انتهى بنا المطاف بهذه الفكرة، خاصة وأن فرصة الربيع على الأبواب. والسؤال عن وجهة السفر والعطلة هو عنوان الأحاديث الحالية. واللافت هو شبه إجماع من قبل الذين يعملون ويسافرون بحجة الوظيفة على أن هناك اشتياقا للمنزل ولا بد من تخصيص بعض الوقت لتلك الامبراطورية الصغيرة.