سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

مليون كلم مربع ولا أرز ولا زيت ولا طحين

انتهت معظم الأنظمة الشعبوية بالكوارث على شعوبها وبلدانها، لأنها التهت في الكلام والوعود، في حين أن محبة الشعوب والأوطان سهر وعمل وتخطيط. كانت خطب فيدل كاسترو تستغرق من أربع إلى ست ساعات. وكلها جذابة وجميلة ولا تبعث إطالتها على الملل. وإذ تبدأ كوبا في الخروج من المرحلة الكاستروية الطويلة، تكتشف أن راتب الطبيب ارتفع أخيرًا إلى 60 دولارًا في الشهر، وليس في هافانا فندق جديد.
لكن كوبا ليست دولة نفطية مثل فنزويلا، حيث يمتد إرث هوغو شافيز منذ 17 عامًا. واقرأ في صحيفة «لوتون» السويسرية أنه ليس في البلد النفطي زيت أو طحين أو أرز! هناك فقط البطاطا في المخازن، وثمن الكيلوغرام منها يعادل عُشر راتب ذوي الحد الأدنى من الأجور. والصيدليات خالية من الأدوية. وقد طلبت الحكومة من السكان أن يزرعوا الخضار في الدواليب (العجلات) المطاطية القديمة. وتبلغ مساحة البلد مليون كيلومتر مربع على 33 مليونًا من السكان.
أغدق هوغو شافيز الأموال على الفقراء والمحتاجين. لكنه لم يبنِ للبلد مؤسسات قادرة على الحياة، ولم يحسب أن النفط سلعة معرّضة مثل غيرها لهبوط الأسعار. أراد الناس أن تحبه، وقد أحبته حقًا. واتهم الأميركيين بالتآمر عليه، وقد فعلوا ذلك حقًا. لكن فاته أن قهر المؤامرة يكون بإقامة دولة قابلة للحياة، وأن الخطب الشاعرية سوف تقصر، ثم تتوقف نهائيًا عندما يصاب صاحبها بالهرم.
الحكومات اليمينية سرقت فنزويلا بالفساد، والحكم اليساري يدمّرها بالعجز وانعدام حكمة وخبرة البناء. عزل شافيز نفسه وبلده، إلا من صداقة محمود أحمدي نجاد، الذي هو أيضًا لم يكن يجد أحدًا يزوره سوى الصديق الفنزويلي، رفيق النضال ضد الإمبريالية. ولم تنفع الثورتان في طهران وكاراكاس أنهما من أهم الدول النفطية في العالم، إضافة إلى التنوع المذهل في الثروات الطبيعية لدى الأخيرة. ومع ذلك، لا تزال فنزويلا تعتمد 97 % من دخلها على النفط وحده. بدل الخطب الحماسية، كان في إمكان شافيز استدعاء خبراء من النرويج. لكان شعبه سعيدًا اليوم مثل النرويجيين.