هشام عبد العزيز
كاتب مصري
TT

«ادعوا لعمكم الكذاب»

في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري عاش في العراق واحد من العباد يدعى أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص (ت 298هـ)، كان الرجل زاهدا في عَرَض الدنيا يكتب أشعاره في محبة الله، حتى لقب بـ«سمنون المحب».. ترك الرجل دنيانا تمامًا وتفرّغ لله، وكان يتمنى ابتلاء الله. وكان يقول دائمًا مناجيًا ربه: «كيفما شئت فامتحني؛ فليس لي في سواك حظ»..
وقد استجاب الله لسمنون المحب.. نعم، لقد ابتلاه الله تعالى كما طلب وتمنى.. ابتلاه بعسر البول.. كان «المحب» يتألم من عسر البول ألمًا شديدًا، حتى إنه كان يدور على كتاتيب الصبية في بغداد ويقول لهم: «ادعوا لعمكم الكذاب» موبخًّا نفسه على ما تمناه على ربه من الابتلاء..
عندما تتأمل أحداث العالم اليوم، والعالم الثالث خاصة، تجد كثيرين يتمنون ابتلاء الله لهم، ولكن ليس على طريقة سمنون المحب/ الكذاب، بل على طريقة عبده مشتاق، تلك الشخصية الكاريكاتيرية الشهيرة التي رسمها مصطفى حسين وأحمد رجب رحمهما الله، يشتاقون للحكم ثم لا يستطيعون القيام بأعبائه، إنهم لا يشتاقون لابتلاء الحكم فحسب بل ويقاتلون لأجل الحصول عليه والتمكن منه.. كان سمنون الكذاب محبا لربه وكان يريد أن يقول إنه مع الله في كل حال، أما هؤلاء فمشتاقون لركوب رقاب العباد، وفي كل حال أيضا. كان سمنون يؤكد قولا وعملا أنه ليس لغير الله فيه حظ، أما هؤلاء فسلوكهم والهواء الذي يتنفسونه يؤكد أنه ليس لله فيهم ذرة، وإنما للشيطان والطمع وحب السلطة واغتنام الشهوات من كل نوع.
في الحقيقة ليس نموذج الكذاب أو المشتاق في العالم الثالث قرين السياسة فحسب، فربما قابلته في قاعات الدرس أو على صفحات الجرائد أو في الصحف أو دواوين الوزارات وغيرها من أماكن العمل والعلم والإدارة.. يحاربون لأجل الكرسي فيما لا يملكون من مقومات المنصب سوى ملبس يضعونه على أجسامهم وهو لأجسامهم لاعن، و«نفخة كذّابة» لا تعرف للإنجاز سبيلا، إلا إذا اعتبرنا إهدار الطاقات والإمكانات و«تطفيش» الكفاءات خارج البلاد إنجازا يمكن أن يعتد به.
كان سمنون مخلصا مع ربه ومع نفسه، فيما يكذبون على الله وعلى الناس وعلى دمهم الذي يمر متثاقلا في عروقهم.. أخطأ سمنون وعاد سريعا معترفًا بسوء تقديره لقدراته، فجلد ذاته واتهمها بالكذب فيما لم يكن في الحقيقة يكذب، أما هؤلاء المشتاقون الجدد فلا يعترفون بخطأ ولا يرجعون عن فعل ولا يواجهون أنفسهم بالحقيقة بل يواجهون شعوبهم بالرصاص..
نعم والله ادعوا لسمنون المحب بالمغفرة، وعلى المشتاقين الكذابين بسوء الخاتمة..



عاجل فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة