حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

لماذا لم تندلع ثورة أخرى في مصر؟

ومرت أمس الاثنين ذكرى الثورة المصرية في 25 يناير (كانون الثاني) دون أن ينجح خصوم النظام الحالي في النزول إلى الشوارع والميادين بمصر، كما بشر بذلك المتحمسون لثورات الربيع العربي والمدافعون عنها، ودون أن يكون هناك مظاهرات أو مسيرات ترقى لمستوى «الحراك الثوري» المؤثر. هل السبب القبضة الحديدية لقوات الأمن المصرية وإحكام المراقبة على ميدان التحرير والنقاط الحيوية في كامل القطر المصري؟ بالتأكيد هذا عامل قوي ولكنه ليس كل شيء، ولو أن قبضة الأمن تمنع من اندلاع الثورات لمنعها الرئيس الأسبق حسني مبارك وهو الذي يعمل تحت إمرته الأمن المركزي الذي تقول بعض التقديرات إنه لوحده يتبعه نحو مليوني جندي ذوي كفاءة عالية في قتال الشوارع ناهيك بالجيش الذي كان له فيه نفوذ كبير. ولو أن القمع الأمني يحول دون اندلاع شرارة الثورات ما ثارت الشعوب ضد تشاوشيسكو رومانيا وقذافي ليبيا وصالح اليمن وبشار سوريا.
بلا ريب أن الشعوب العربية ومنها الشعب المصري قد تجلت أمامها النتائج الكارثية للثورات، فعندما انقشعت رياح الثورات العاصفة رأت الشعوب آثار الدمار الهائل للثورات، في سوريا مثلا اختل الأمن وقتل مئات الألوف وتشرد الملايين وجرى استنبات الجماعات الإرهابية ودولة مزعومة تضع رجلاً في العراق والأخرى في سوريا وتتوعد بالانتشار في كل العالم الإسلامي عبر شعارها الشهير «باقية وتتمدد». كل دول الثورات العربية على تفاوت آثار الثورات عليها تجمعها صفة واحدة، وهي أن حالها بعد الثورة ليس بأحسن من حالها قبل الثورة.
الحراك العربي، الربيع العربي، الثورات العربية، الفوضى العربية، الفتنة العربية، الزلزال العربي، سيختلف الناس حول المصطلح، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولكنهم بالتأكيد سيتفقون على أن الدول التي مر بها «الحراك العربي»، وهو المصطلح الأكثر دقة وتوازنا في توصيف ما يحدث على الساحة العربية، مرت ولا تزال تمر بمخاض عسير قد يؤدي في بعض حالاته إما إلى مرض مزمن خطير (دولة فاشلة)، أو إلى موت سريري (فوضى) وفتنة لا تبقي ولا تذر.
وتبقى سوريا بدمارها الهائل وعذابات شعبها وتشرده في الداخل والخارج، التجربة الأشنع والأفظع والأخطر في تقييم «الحراك العربي»، وهي التي ساهمت في جعل شريحة كبيرة من الشعوب العربية تتنبه أكثر لخطورة علاج التخلف والاستبداد والفساد واحتكار السلطات وانعدام الحريات بالثورات، وهذا أمر عقلاني وإيجابي لكن بشرط ألا تفهم الحكومات العربية أن بواعثه رضا بالواقع بعلاته وفساده ومشكلاته دون محاولات جادة لإصلاحه وتطويره.
لقد وجهت انتكاسة الثورات العربية ورعب الشعوب العربية الشديد من كارثية الثورات، وخصوصًا الثورة السورية، رسالة خاطئة وخطيرة لعدد من المسؤولين العرب جعلتهم يظنون أنهم بمنأى عن ارتدادات الثورات وآثارها المدمرة فتباطأت حركة الإصلاح والتحديث ومحاربة الفساد وتدوير السلطات والالتفات نحو الشباب، الذين هم وقود الثورات والاضطرابات، فكل الثورات العالمية قديمًا وحديثًا لم تلتفت فيها الشعوب إلى تغليب الحكمة وبعد النظر، بل تستجيب بسرعة مذهلة للتحريض والثورة ضد الظلم والفساد والاستبداد غير عابئة بمخاطرها، وكأن لسان حالها يقول لن تكون الحال بعد الثورة أسوأ من الحال تحت الظلم والقمع والفساد.
يجب على الحكومات العربية التي اندلعت فيها الثورات وتريد أن تتفاداها مرة أخرى أن تدرك أن القبضة الأمنية تعطي نتائج سريعة وفاعلة ولكنها لا تدرأ الخطر، القبضة الأمنية إذا لم تصاحبها إصلاحات ومحاربة للفساد ومنح قدر معقول من الحريات، مثل البنادول يخفف الألم ولكنه لا يعالج المرض.a