خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

كاظم حبيب والإصلاح

بعث إلىّ الدكتور كاظم حبيب، السياسي والمفكر العراقي الكبير، بهذا الإيميل الذي يقول فيه: «أقرأ دومًا مقالاتك التنويرية. ولكنني أشعر بضرورة مشاركتك الواسعة والمستمرة في بلورة الفكر التنويري الذي صاحب المسيحية وغيّر موقف البشر المسيحي تجاه كثير من المسائل التي كانت سائدة قبل التنوير. كيف يمكنك صياغة مقالات تنويرية في الإسلام لعل الشباب المسلم الذي يعيش في مستنقع الفكر الراديكالي المتطرف والمؤذي لكل شعوب العالم وللمسلمين قبل غيرهم؟ أعتقد أن في مقدورك القيام بذلك. تجد في كل الأديان صياغات حمالة أوجه، يمكن لشخصين أن يتباريا ويتناطحا بالمقولات الدينية المتناقضة، وكل واحد منهم يعتمد على واحد من الكتب الدينية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام). لهذا أرى ضرورة توظيف إمكانياتك وبطريقتك النقدية الساخرة والمحببة إلى النفس، للمشاركة في عملية تنوير الإسلام، وبالتالي تنوير المسلمين والفصل بين الدين والدولة والدين والسياسة...».
لقد أسمعت يا عزيزي لو ناديت حيًا. إننا محاطون من كل الجهات بجثث متعفنة، ولكم أهلكت العفونة كل من حاول مسها! قبل أيام قليلة فكر أحد المسارح البريطانية المرموقة في لندن بتقديم مسرحية ساخرة لي، كتبتها بالإنجليزية لتعالج هذه المحنة العالمية المشتركة، محنة ابتلائنا في الشرق والغرب، بسادية هذه الحفنة الضالة من «المسلمين». بعد نحو ثلاثة أشهر من التفكير اعتذرت إدارة المسرح عن عدم تقديمها. فتنفست الصعداء. فعلت ذلك لأنني شخصيًا كنت خائفًا على نفسي، كما كانت إدارة المسرح. وأصارحك القول بأنني لم أجرؤ حتى على ذكر اسم المسرح حرصًا على سلامتهم. وباعتبارك تعيش في ألمانيا، أذكر لك أنني بعثت بالنص إلى أستاذة ألمانية تعيش قريبًا منك. ذكرت لي حماسها في ترجمتها إلى الألمانية، أملاً في تقديمها هناك. فهم مثلنا مبتلون بالعفونة نفسها. لم أسمع منها بعد ذلك والحمد لله!
حتى الدول الكبرى أصبحت تحترس منهم، فلا تجرؤ على إرسال جنودها إلى هذه المزبلة لتنظيفها من هذه العفونات. فما الذي يمكننا أن نفعل، نحن أصحاب القلم؟ وكما تعلم يا عزيزي أبو سامر، هؤلاء الإرهابيون وأنصارهم لا يشكلون غير نفر قليل جدًا من المسلمين. الأكثرية الساحقة من المسلمين لا تنظر إلى الإسلام بمنظارهم وعويناتهم السوداء. انظر حولك لترى كيف أن بقية المسلمين أصبحوا يتجاوبون ويتفاعلون مع متطلبات العصر وتطوراته وعلومه. أين يذهبون عندما يصيبهم سرطان أو فالج؟ لا تراهم يذهبون إلى «داعش» ليعالجوهم. يذهبون إلى باريس أو لندن. ليس بينهم الآن من يشك في أن الإنسان قد نزل على القمر ويستعد للنزول على المريخ. إذا لم يعبأ القوم بالعلم والعقليات فسيخضعون للواقع والضرورات.
مما أتذكره من المدرسة أن عملية التفسخ ضرورية للعالم وإلا لاختنق العالم بالزبالة. العفونة، عفونة هؤلاء الضالين، نوع من أنواع التفسخ. أعطها ما يكفي من الزمن لتفني نفسها بنفسها، وتتحول بقاياها إلى سماد تغتني به الأرض وتنفع الأحياء من إنسان وحيوان. ولكن بإمكان العاقل أن يسرع في هذه العملية. وما من شيء يفني العفونة ويخلصنا منها غير التعليم الحر العقلاني، ونشر ما جلبه هذا التعليم الحر للغربيين من المعارف والاكتشافات التي صبت في محصلة ازدهارهم ورفاههم وسؤددهم.