هشام عبد العزيز
كاتب مصري
TT

أيها الغرب العظيم..

أرجو ألا يسجل المؤرخ المعاصر في مدونته أن العالم انتفض بعد كارثة باريس لمحاربة الإرهاب أو تأمين الشعوب. فلم نر تحركا يذكر تجاه أصل الداء أو حتى فرعه.. إن ما حدث في الساعات الأخيرة من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم يكن حتى مثل ما حدث في 11 سبتمبر أو يشبهه ولو من بعيد؛ لم يرسل تنظيمٌ متطرفٌ شبابًا بخطة من أقصى الأرض إلى أقصاها.. لم نرَ شبابًا من العالم الثالث يحاولون تدمير آخرين من العالم الأول.. إننا هنا أمام شباب من العالم الأول؛ ثقافةً وتعليمًا ونمطَ حياة، انفجروا في أنفسهم، فماتوا ودمروا من يتحرك في محيطهم. فإذا بالعالم كله يرد هنا في العالم الثالث.
رد السادة في المكان الخطأ وبالآلية الخطأ.. ربطوا بين ما حدث في باريس وما حدث في نيويورك في سبتمبر 2001، على ما بينهما من بعد الآلية والهدف والمنفذ، وكنت حسبتهم سيربطون - مثلاً - بينها وبين احتجاجات وول ستريت..
لا يريد السادة في العالم الأول أن يعترفوا بأن آلياتهم لحكم العالم لم تعد تصلح، ولم تعد مقنعة، لا للعالم الثالث ولا للعالم الأول، الذي يحاولون استمرار السيطرة علينا لأجله. لقد ضجر العالم، وخاصة شبابه، من النظام العالمي القائم، لا فرق في ذلك بين شاب يعيش في باريس أو بلجيكا وآخر يسكن في كهوف تورا بورا..
لا يجب أن يُظن أنني أدافع عن قتل أو أبرر دماء؛ فلا شيء في نظري أحقر من استباحة دم.. اللهم إلا استغلاله..
لقد صرح الرئيس الفرنسي، قبل أن يلفظ الضحايا آخر أنفاسهم، باسم الفاعل المشؤوم (داعش)، وبعده نشرت صفحات مجهولة - يقال إنها تعود لهذا المدعو (داعش) - تتبنى هذه الأحداث الكارثية، فما كان من الرئيس الفرنسي إلا أن شمر عن ساعده وضرب في طرابلس الغرب وسوريا المبتلاة! ولم يتوقف الضرب الفرنسي، إلى جوار الضرب الروسي، حتى بعد أن عُرفت أسماء وجنسيات ومواطن القتلة، ومنهم مواطنون من بلجيكا، جنسيةً وموطنًا وثقافةً وتعليمًا.
لا أدري لماذا لم يذهب الرئيس الفرنسي إلى هناك لاجتثاث الإرهاب من جذوره؟ هل يرى أن أصل الداء في الإسلام؟ لن أجادله لو كان يرى ذلك فعلاً، لكن ما علاقتنا نحن بالإسلام؟ لسنا أوصياء عليه ولا ممثلين له.. أيها الغرب الكبير الحاكم، الإسلام دين.. دين فقط، وليس جنسيةً ولا موطنًا، وكما ذهبت إلى قاتليك الجهلة في جبال أفغانستان، عليك أن تمتلك الشجاعة وتذهب إليهم هم أنفسهم في حواري بروكسل وأحياء باريس..
لن تستطيع أيها الغرب الحاكم فعل ذلك، لأنك تعلم جيدًا أن المشكلة ليست في الدين ولكن في استغلالك المقيت للعالم؛ الثالث لصالح الأول، الجنوب لصالح الشمال.. وهي سياسات لم تعد تجدي..
سيدي الغرب العظيم.. يا حاكم العالم، أنا لا أنصح لك؛ فمثلي لا ينصح، ومثلك لا يحب الناصحين. أنا فقط أرجوك.. لا تحاول تسجيل إجراءاتك الأخيرة في باب مآثرك العظيمة لحماية العالم، فما حميت إلا نظامًا يفرّخ مزيدًا من الجهلة والموتورين الذين يزيدون فواجعنا كل يوم بضحايا جدد فيعطونك مزيدُا من المبررات للسيطرة الأكثر مقتًا في تاريخ البشرية.. أؤكد عليك.. لا تسجل إجراءاتك في باب مآثرك لتطوير العالم وتأمينه، فما طورت إلا مصانع السلاح وما أمنت إلا تجاره..
أما الإسلام - أيها الغرب العظيم - فغريب بين غرباء؛ يجهله أهله ويظلمه نظامك العالمي.. ولو سألته عن رأيه لأجابك بلسان قاض لقتيبة بن مسلم: «ما ملكنا هذه الأمم إلا باجتناب الغدر وإقامة العدل».. ألا فهمت؟