خالد محمود
TT

وهكذا.. رحل ناظر الدبلوماسيين في القاهرة

«البيت بيتك، وكن على راحتك»، هكذا خاطبه المذيع في برنامج تلفزيوني لإحدى القنوات الفضائية المصرية، قبل أن يرد ببساطة، «نعم أنا مرتاح وفعلا البيت بيتي».
لم يكن المذيع يدرك أن ضيفه يقول ببساطة متناهية ما هو أعمق من مجرد تلك الكلمات.
لم يكن هشام ناظر ضيفا، على القاهرة، بل كان صاحب بيت.
هو لم يكن سفير عاديا، ولم يكن أيضًا سياسيا مغمورا.. ما بين الثقافة والسياسية جلس بمقعده الدبلوماسي متفردا بين نظرائه العرب والأجانب في القاهرة.
ذلك هو صديقي الشيخ هشام ناظر الذي رحل عن دنيانا التي كان يملؤها فرحا ونبلا، قبل يومين.
كان هو أيضًا اسما على مسمى، ناظر تلك المدرسة التي جمعت عقول وقلوب المصريين على شتى انتماءاتهم السياسية والفكرية والثقافية من حوله، كان سفيرا بامتياز للسعودية التي عمل فيها وزيرا لسنوات طويلة.
في بيته العامر ومقر إقامته على نيل القاهرة بحي الزمالك، كان له صالونه المميز، كان بإمكانه أن يجمع كبار السياسيين والمثقفين بعدما نال حبهم وثقتهم، فقد كان متحدثا لبقا وصاحب دعابة وسرعة بديهة لا يجاريه فيها أحد.
كان الكل يتسابق لتلبية دعوته على «مقعد الأربعاء»، الاسم الذي اختاره عنوانا لصالونه الذي احتفت به مصر إعلاميا وسياسيا وثقافيا.
هناك كان بإمكانك أن تجد كل كبار رجال الدولة من رئيس الحكومة إلى رئيسي مجلسي الشعب والشورى، ناهيك بالوزراء والمحافظين، إلى جانب بعض الصحافيين والمفكرين والأدباء.
كانت تشكيلة متنوعة، تشي بمدى عمق ثقافة وتفكير مضيفنا الذي لم تكن ابتسامته تفارقه وهو يستقبل ضيوفه وحتى يودعهم مجددا.
في السنوات التي أمضاها سفيرًا للسعودية لدى مصر، كان هشام ناظر مختلفا عن كل السفراء الآخرين، كان يمكن أن يمضي يومه في عمله بمقر السفارة القديمة المجاور لمقرها الذي انتقلت إليه لاحقا وأشرف هو على بنائه، قبل أن تجده لاحقا في عزاء أحدهم أو مشاركا في ندوة، أو حاضرا لأمسية سياسية أو أدبية.
كان لا يتوقف عن العمل رحمه الله، حتى فاجئنا برحيله قبل يومين، في صمت ودون ضوضاء.. «هانت يا محمد، إن شاء الله أنا راجع قريب لمصر».. قال لرفيق مشواره ومدير مكتبه السفير محمد نصير في آخر اتصال هاتفي بينهما قبل نحو ثلاثة أيام.
في مكالمته كان وهو المشغول والمتابع للشأن المصري، يسأل باهتمام بالغ عن نتائج الانتخابات البرلمانية، هل ظهرت النتيجة؟، هل أعلنت من قبل لجنة الانتخابات؟، لكنه مات دون أن يعرف، بيد أن هذه هي سنة الحياة.
سيتعين على نصير كما أحباب ورفقاء وأصدقاء السفير الراحل، أن يتخطوا حالة من الذهول والذكريات والمواقف التي جمعتهم مع الرجل الذي أتعب من سيأتون بعده، وأعينهم على ما حققه والمكانة التي اكتسبها باقتدار في المجتمع المصري خلال عمله هنا.
مات هشام، وبقي ناظر تلك المدرسة التي لا تغلق أبوابها أبدا!.