د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

المصالحة الوطنية.. لماذا نجحت في تونس؟

نبارك للإخوة في تونس حصولهم على جائزة نوبل للسلام هذا العام.. حيث أعلنت لجنة «نوبل» النرويجية منح الجائزة للمنظمات الأربع: الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، لتنظيمها حوارًا وطنيًا طويلاً وصعبًا بين الإسلاميين ومعارضيهم، وحملهم على التوافق لتجاوز شلل المؤسسات.
السؤال الذي علينا طرحه، لماذا نجحت المصالحة الوطنية في تونس، وفشلت في أقطار عربية أخرى، مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن؟
لقد مضى ثلاثة عشر عامًا على سقوط نظام الطاغية صدام حسين، وأربع سنوات على سقوط الديكتاتور القذافي، والحرب الأهلية في كل من سوريا واليمن، حيث دخلت هذه الدول في مستنقع العنف والإرهاب، والقتل والتشريد، والحروب الطائفية، بعد أن فشلت كل محاولات الحوار الوطني.
هناك أسباب كثيرة جعلت الحوار في تونس يحقق النجاح المطلوب، وتفشل كل المحاولات للحوار في البلدان الأخرى. ومن أهم الأسباب:
1 - ضعف الثقافة السياسية، ونعني بها أن الثقافة العربية الإسلامية بنيتها الفكرية غير ديمقراطية واستبدادية، وتفتقر إلى عنصر التفاهم والتوافق. وقد شرح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، حصول الرباعية على جائزة نوبل، بأن «مبادئ التوافق السياسي بدأت منذ أن وقعت مقابلة بين الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية وبيني كرئيس لحزب نداء تونس في فرنسا، من أجل خلق توازن سياسي مع النهضة التي قادت الحكومة منذ نهاية 2011 وحتى مطلع 2014».. فوجود الثقافة الديمقراطية في تونس سمح لها أن تجري الحوار رغم الخلافات والانتماءات العقائدية وغير العقائدية والمذهبية وغير المذهبية.
2 - عقلية الانتقام: التجارب الإنسانية مع الشعوب والدول التي مرت بحروب أهلية، مثل جنوب أفريقيا وسريلانكا وتشيلي، وكمبوديا التي قتل فيها أكثر من مليوني كمبودي، تحت حكم بول بوت الشيوعي المتطرف وشرد الملايين، ولكن عندما توقفت الحرب تمت المصالحة الوطنية، وتمت محاكمة المجرمين وسجنهم بعد اعتذارهم للشعب، وتم تأسيس حكومة بروح جديدة. في جنوب أفريقيا سياسة التفرقة العنصرية استمرت أكثر من 200 عام، وكفاح الحزب الوطني ضد السياسات العنصرية استمر من عام 1948 وحتى عام 1990، لكن بعد خروج مانديلا من السجن الذي بقي فيه مدة 27 عامًا.. وبعد تحقيق الانتصار عفا عن القادة السابقين، ودعا للمصالحة، ونسيان الماضي، والبدء في بناء الدولة الجديدة. عقلية الانتقام بدلاً من التسامح ونسيان الماضي عمقت الخلافات بين أبناء البلد الواحد في الوطن العربي.
من المفارقات الغريبة في كل من العراق وليبيا، أن الحكام الجدد يناشدون الأمم المتحدة والدول الغربية والجامعة العربية مساعدتهم على ترسيخ الأمن والاستقرار في بلدانهم، لكنهم في نفس الوقت يعملون على إجهاض أي محاولة تدعو للوحدة الوطنية، وحل الخلافات عن طريق الحوار والمصالحة.. عقلية الانتقام من القيادات السابقة في كل من العراق وليبيا، شملت كل من عمل وتعاون وكل من له علاقة مع الأنظمة السابقة، وشملت سياسة الإبعاد حسب قانون «العزل السياسي» في ليبيا 20 فئة من فئات المجتمع الليبي عن العمل العام.
الوضع في العراق ليس أفضل حالاً من ليبيا، فبعد مرور 13 عامًا على سقوط صدام حسين لا تزال الأوضاع غير مستقرة، وتنزلق أكثر في أتون الحرب الطائفية وتمزق العراق إلى ثلاث مناطق رئيسية: الأكراد، الجنوب الشيعي، الغرب السني. كل ذلك يعود إلى سن قانون «اجتثات البعث» الذي كان دعامة حكم صدام حسين - المشكلة تعدت الانتقام من صدام أو البعث، حيث دخلت النهج الطائفي – وعملت الحكومة الطائفية بقيادة المالكي على إبعاد السنة من الحكم لصالح الميليشيات والأحزاب الشيعية.
3 - تداخل الهويات: حيث يعتبر علماء السياسة والاجتماع تعدد الهويات والقوميات والأديان والطوائف، عنصر قوة في أي بلد ديمقراطي تعددي، لكن لدينا في الوطن العربي وبعد انهيار الدولة وضعفها، برزت الولاءات الجانبية، مثل الولاء القبلي، والطائفي، والمناطقي، على حساب الدولة المركزية، وقد لعب التدخل الخارجي دورًا محوريًا في نزاع أبناء الوطن الواحد.
4 - التدخلات الخارجية: من الأسباب الرئيسية التي قوضت المصالحات الوطنية في الوطن العربي، فالدول العظمى وتحديدًا الولايات المتحدة وروسيا، تدخلت في السياسات المحلية في كل من العراق وسوريا.. حتى أصبح النظام السوري يعتمد اعتمادًا كليًا في بقائه على القوات الروسية، كذلك تدخلت القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا في الشأن العراقي، حتى وصل الأمر إلى أن النظام الإيراني يعتبر العراق جزءًا لا يتجزأ من منظومته الأمنية لا يمكن التخلي عنه، وكذلك تلعب تركيا دورًا في السياسة الداخلية في العراق وسوريا عبر إقليم كردستان.
وأخيرًا نرى أن سياسة الاستحواذ على السلطة وإقصاء الآخر، من أهم الأسباب لفشل المصالحة الوطنية.