طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

ملجأ حليم وخطبة ثومة

«الصراحة راحة».. تعبير كثيرا ما نردده في حياتنا، وقليلا ما نطبقه في أفعالنا، حيث نضبط أنفسنا وفي أبسط الأمور ونحن نبدد طاقتنا في الكذب.
وقبل أن نوغل، دعونا نتوقف مع علي سالم. من المؤكد أنكم تابعتم كيف أن كاتبنا الكبير الراحل في كل أحاديثه كان حريصا على أن يذكر بكل فخر واعتزاز أنه كان يعمل «كومساريا» في «طفطف»، وأن تلك السنوات شكلت البنية التحتية التي صنعت منه مبدعا كبيرا، فصارت لديه تلك الذاكرة الإبداعية التي تلهمه بالطاقة والوقود، فيستدعي شخصياته الدرامية من هذا المخزون الذي لا ينفد.
في الحقيقة نحن كثيرا ما نكذب ونحاول دون جدوى أن نتجمل. تذكرت مثلا هذه الحكاية التي رواها شاعر كبير وعصامي أيضًا، وإن كان يقف سياسيا على الشاطئ الآخر من علي سالم.. إنه أحمد فؤاد نجم. كانت لدى نجم رغبة في أن يجرب السباحة بعيدا عن المياه الإقليمية لتوأمه الفني الشيخ إمام عيسى، وهكذا فإن الموسيقار كمال الطويل رشحه للكتابة له، وكان من المفترض أن صوت عبد الحليم ثالثهما. أخذ الطويل نجم من يده وقدمه بغير موعد سابق لحليم، معتقدا أنه يحمل إليه كنزا ثمينا، وأسمعه أغنية «دولا مين». اللقاء لم يكن حميميا ولا دافئا على الإطلاق، هكذا وصفه نجم، ولهذا كانت الأغنية من نصيب سعاد حسني.
العلاقة بين حليم ونجم بدأت تاريخيا في منتصف الثلاثينات في الملجأ، حيث أمضى حليم جزءًا من طفولته هناك، ولم يكن حليم يذكر أبدا في حياته تلك الحقيقة، ولو عدت لمذكرات حليم التي سجلها بصوته لإذاعة «صوت العرب»، فسوف يروي واقعة ذهابه للقاهرة على هذا النحو، أنه كان في قرية «الحلوات» بمحافظة الشرقية، ينتظر حضور الموسيقار محمد عبد الوهاب لإحياء فرح أحد الأثرياء، وصعد حليم فوق السطوح ليسعد برؤية نجمه الأثير، إلا أنه في لحظة انتشاء اختل توازنه وسقط فكسرت ذراعه، وكان لزاما أن يتلقى العلاج في القاهرة، بينما نجم يروي في مذكراته أن حليم، الذي كانت تبدو عليه وقتها أمارات حب الموسيقى حيث كان يعزف «الهارمونيكا»، قد سقط من الدور الثاني حيث يقع سريره فكسرت ذراعه وغادر بعدها الملجأ للعلاج قاصدا القاهرة.
لم تتم الإشارة إلى الملجأ إلا بعد رحيله في المسلسل والفيلم اللذين تناولا قصة حياة «العندليب» قبل بضع سنوات.
بينما إسماعيل ياسين كان يروي مثلا بكل صراحة أنه كان أحيانا من فرط الجوع يدخل في صراع مع قطة وجد في فمها سمكة يريد أن ينتزعها منها ليلتهمها قبلها. وروى المطرب محمد رشدي أنه كان يتسلل إلى منزل الموسيقار محمد عبد الوهاب من خلال قرابته لطباخ بيت عبد الوهاب، بل إنه سرق كلمات أول أغنية له عندما وجدها كأوراق ممزقة في سلة المهملات وأطلق عليه عبد الوهاب بعدها لقب الجاسوس، ولم يلحن له أبدا طوال حياته. بينما أم كلثوم على الرغم من كل اعتزازها وهي تروي تاريخ حياتها ونشأتها في أسرة فقيرة، فإنها كانت تتحفظ تماما وتمنع الاقتراب من حياتها العاطفية، حتى إنها رفضت الغناء للموسيقار محمود الشريف، أي من ألحانه، حتى لا يتذكر الجمهور أنه كانت بينهما خطبة وقصة حب شهيرة في نهاية الأربعينات، وهكذا على الرغم من تقديرها لألحان الشريف لكنها لم تشأ أن تذكر جمهورها بأنها مثل كل البشر من الممكن في لحظة ما أن تحب.