جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

الخبر وقت السفر

أذكر عندما كنت في سن صغيرة جدا، حينما كنت أنتظر اليوم بكل ساعاته عودة أهلي من السفر، وبعد اللقاء الجميل وتلقي الهدايا. أجمل ما كنت أنتظره كان أخبار الرحلة التي كان يرويها لنا أبي وأمي. وفي اليوم التالي كنت أنتظر بفارغ الصبر أيضا عودة فيلم التصوير من استوديو التحميض، وكنا نجلس في سهرة عائلية نقلب في الصور، ولم يبخل علينا الوالدان بالحكايات التي ترافق كل لقطة وكل صورة.
وعندما كنت أسافر، ما زلت أتذكر لحظة عودتي إلى المدرسة، فكنت أعد الثواني لكي أخبر صديقاتي عن رحلتي، وعن حكايات أسفاري..
أما اليوم وبعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وأخذها حيزا كبيرا جدا في حياتنا اليومية، أصبحنا نخبر قصص أسفارنا «أولا بأول»، فلم يعد من الضروري انتظار عودة أحدهم من السفر لكي يقص لنا أخبار الرحلة، لأن القصة كلها موثقة بالصور على «فيسبوك» و«تويتر» و«سناب تشات».. وبالتالي لم يعد يحلو الكلام بعد الرحلة بعدما تكون قد تعرفت على الوجهة التي اختارها صديقك، والفندق الذي نزل فيه، وعرفت حتى من هم الأشخاص الذين رافقوه في رحلته، من دون أن ننسى أننا نكون قد عرفنا ما تناوله صديقنا عند الفطور والغداء ومن بعدهما العشاء.
فعندما يرجع أحدهم من السفر لن يعود هناك ما تسأله وما تنتظره، فحتى إذا فكر فيك صديقك خلال رحلته واشترى لك تذكارا من أحد المحلات فمن الممكن جدا أن تكون قد رأيت صورة الهدية على «فيسبوك» مسبقا، فتختفي «الرهجة».
في الماضي، كانت الصديقات يتواعدن على الغداء أو العشاء بعد العودة من السفر خصيصا لإطلاع بعضهن البعض على ما حصل خلال الرحلة، عن التبضع، عن الأكل، عن الوجهة السياحية وحتى التفاهات ونميمة النساء التي لا يمكن أن ننكر أنها جميلة إذا ما بقيت ضمن المعقول وفي إطار الاحترام ليس أكثر. ولكن للأسف اليوم نلتقي ونقول: لقد عدتِ من السفر، أحببت الوجهة الفلانية التي زرتِها، والطبق الذي أكلتِه يبدو رائعا وأحببت ثيابك وأحببت نظاراتك الشمسية.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك مشكلة في الثياب لأن البعض يفكر قبل السفر فيما سيرتديه من ملابس لم يسبق أن ارتداها من قبل في صوره على «فيسبوك».
هلا لاحظتهم؟ المتكلم هنا هو الشخص الذي راوح مكانه وليس الشخص الذي سافر ورأى وأكل وشرب، فما فائدة اللقاء بعد السفر، في حال لم يكن لدينا أي شيء نخبره ونتشاركه مع الآخرين، فالسفر وكما يعرف الجميع هو ليس مصمما للمتعة فقط إنما هو ثقافة ومعرفة وتعرف على ثقافات أخرى، وأجمل ما في السفر هو مشاركة الغير بما نراه ونختبره لنجعل الغير يعيش معنا رحلتنا، لكي نستعيد معا حلاوة اللحظات الجميلة.
بالطبع توثيق اللحظات الجميلة إلكترونيا شيء لا بد منه، كما أنه منوال العصر، ولكن يبقى للقاء الشخصي وللهفة المعرفة «وجها لوجه» رونق آخر.
وفي حال كنت على لائحة أصدقائي وتتبعني على «إنستغرام» وغيره من المنابر الإلكترونية، وتعتقد أني أناقض نفسي، لأني من أكثر الذين ينشرون صورا خلال السفر، خاصة الصور المتعلقة بالأكل، فردي على هذا هو: «أنشر الصور بداعي العمل».