محمد العريان
أقتصادي مصري- أمريكي
TT

التعامل الذكي لصندوق النقد الدولي مع اليونان

من خلال تردده حيال الاضطلاع بدور تمويلي كامل، في إطار أحدث برامج الدعم المالي لليونان، يخاطر صندوق النقد الدولي بإثارة سخط الحكومة اليونانية وشركائها الأوروبيين. ومع ذلك، يظل من الممكن أن يكون بيد هذه المؤسسة مفتاح النجاح في المهمة الصعبة المتمثلة في استعادة النمو الاقتصادي باليونان والحيوية المالية داخل منطقة اليورو.
والملاحظ أن صندوق النقد الدولي، رغم ترحيبه بالانضمام إلى مفاوضات الدائنين باليونان، فإنه أبدى ترحيبه، بل والقدرة على المشاركة في ترتيبات تمويلية جديدة تعتمد على مستوى التقدم الذي يجري إحرازه على صعيد بعض القضايا التجارية المهمة والقائمة منذ أمد بعيد. يرغب صندوق النقد الدولي في رؤية برنامج إصلاح اقتصادي جديد شامل داعم للنمو داخل اليونان، وكذلك تقدم على صعيد تنفيذ هذا البرنامج، وضمانات بخصوص الاحتياجات المالية لليونان، وتخفيف للديون.
في الواقع، يعد صندوق النقد الدولي محقًا في إصراره على هذه الشروط الأربعة. ومن دون هذه الشروط، فإن اتفاق الدعم المالي الأخير ربما يواجه نفس مصير الاتفاقين الأخيرين، اللذين نجحا في منح اليونان وشركائها بمنطقة اليورو بعض الوقت، لكن بتكلفة باهظة. ولم تفلح هذه الإعانات المالية في القضاء على الأضرار التي أصابت اقتصاد البلاد المتعثر، ولا في التخفيف من المعاناة الشديدة طويلة الأمد التي يعيشها المواطنون اليونانيون.
ورغم أن اليونان وشركاءها الأوروبيين تروق لهم بنود مختلفة من شروط صندوق النقد الدولي، فإن أيا من الجانبين لا يشعر بالرضا حيال إجمالي الشروط، ويشعر كلاهما بالقلق حيال أن غياب الالتزام الكامل من قبل صندوق النقد الدولي قد يثير مشكلات هائلة أمام برنامج الدعم المالي الثالث.
من دون صندوق النقد الدولي سيواجه بعض الدائنين (مثل ألمانيا والمصرف المركزي الأوروبي ومؤسسات مالية أوروبية أخرى) مشكلة في دفع قادتهم لتأييد تقديم تمويلات ضخمة جديدة لليونان. ومن دون صندوق النقد الدولي، سيجد رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، صعوبة في تعبئة روح الوحدة على الصعيد الداخلي اللازمة لضمان التنفيذ الناجح للإصلاحات الاقتصادية التي لا تحظى بتأييد شعبي، بما في ذلك تلك التي تتجاوز «الخطوط الحمراء» لحزب تسيبراس.
وجميع تلك المخاطر تستحق من صندوق النقد الدولي خوضها.
خلال برنامجين سابقين للدعم المالي، أجبر صندوق النقد الدولي تحت وطأة ضغوط سياسية (من أوروبا بصورة أساسية، لكن من الولايات المتحدة أيضًا) على المشاركة في برامج من شأنها، بجانب مواجهة عيوب التصميم والشكوك الكبيرة المحيطة بالتنفيذ، انتهاك اثنين من الشروط التي تمسك بها الصندوق منذ أمد بعيد.. أولا: «الضمانات المالية» التي تدعم التنفيذ الداخلي للبرنامج مع توافر تمويل خارجي كاف. ثانيًا: «استدامة الديون» لضمان أن النمو لا يقوضه استمرار وجود ديون هائلة. في خضم ذلك، خاطر صندوق النقد الدولي بمصداقيته وفاعليته، بينما عرض أموال أعضائه لمخاطرة كبيرة تتمثل في عجز اليونان عن السداد.
هذه المرة، يصر الصندوق على توفير أسس تحليلية وعملية للترتيبات الجديدة الخاصة باليونان - وهو محق في ذلك، نظرًا لأن هذه المرة لا تخاطر المؤسسة فقط بمصداقيتها. في الواقع، إن الموقف الشجاع، بما في ذلك الشروط الأربعة التي يصر عليها الصندوق، تمثل عنصرًا محوريًا في نجاح هذه المحاولة الثالثة باهظة التكلفة لإنقاذ اليونان.
منذ قرابة 14 عامًا ماضية، جرى إجبار صندوق النقد الدولي على إقراض الأرجنتين مجددًا، رغم أنه كان واضحًا للجميع أن أفضل ما يمكن لهذا الإجراء تحقيقه هو شراء مزيد من الوقت للبلاد لا يتجاوز بضعة أشهر. وبالفعل، في غضون ثلاثة شهور فقط عجزت الأرجنتين عن السداد وانهار اقتصادها.
هذه المرة، يحرص صندوق النقد الدولي على الالتزام بدروس الماضي القاسية، وتجنب الوقوع في خطأ آخر مكلف. وفي خضم ذلك، يشير الصندوق باتجاه واحد من السبل القليلة للغاية التي يمكن من خلالها لهذا البرنامج الثالث لدعم اليونان النجاح.
وينبغي على الآخرين الاحتذاء بحذو صندوق النقد الدولي، خاصة إذا كانت هناك رغبة حقيقية في تجنيب اليونان مصيرا مشابها لمصير الأرجنتين.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»