نادية التركي
إعلامية وشاعرة وصحافية متمرسة تكتب بمجالات متعددة, متخصصة في اجراء المقابلات السياسية.
TT

قابلية «التأرهب».. و«ماد ماكس» أحسن التشخيص

الخبر الأول:
اختفاء العشرات من الشبان في منطقة رمادة التابعة لمحافظة تطاوين التونسية...
خبر جديد تناقلته وسائل الإعلام أمس، والوجهة الأرجح : داعش
في ليبيا ، أو سوريا أو العراق...
مالذي يحدث لأبناء الفرح؟ ما الذي يحدث لعمر الفرح في شبابنا؟
أرى حقول الزهر تحرق ومساحات السنابل...
هل وصل اليأس بشبابنا إلى هذه الدرجة، كانت المأساة الأكبر في صفوف الشباب من اليائسين والعاطلين عن العمل، الهجرة الغير شرعية والتي تسمى في تونس بـ"الحرقه" وفاعلها "الحراق".
فما التسمية التي تليق الآن بمن "يحرقون" الحدود نحو الاحتراق؟ ولماذا؟
وأي منهجية تتبع في إقناعهم، وعبر من؟
وما الذي يجعل "الحراق" يحول وجهته من البحر حيث يحاول أن ينطفئ بماء أوروبا ونورها، نحو قحط العراق وسوريا وليبيا حيث نيران الحروب ألهبت كل شيء؟

الخبر الثاني:
بريطانيا تحيي الذكرى العاشرة لتفجيرات 07- 07 في ظل الهجوم الإرهابي في تونس .
وديفيد كاميرون يذكر بعدد الضحايا البريطانيين الـ30 الذين ذهبوا في الهجوم الإرهابي الذي شهدته تونس يوم الجمعة قبل الماضي، على أحد شواطئ فنادقها.
السؤال الأكبر هنا:
هل يحتاج "الإرهابي" الذي فجر نفسه في بريطانيا منذ 10 سنوات، وهو نفس "الإرهابي" الذي قتل العشرات على شواطئ تونس ليُقتل، أن يسافر آلاف الأميال و"يَحرق" لـ"يُحرق" في نار داعش؟
التساؤلات كثيرة لكن الجواب الأكيد هو أن لكل بلد شبابا له قابلية "التأرهب"، الأرضية الجاهزة للاستهداف.
في تونس "بلد الفرح الدائم" قبيل سنوات، حيث تراقص مدارج قرطاج في كل ليالي الصيف ركحها..
حيث تعج الشواطئ بالسياح، والشوارع ليلا يختلط فيها أهل المدن مهللين بزائريهم.
حيث لا فرق بين الرجل والمرأة في حقوق ولا واجبات.
حيث تعود السيدات من الأفراح في كامل حللهن، من ذهب وماس ولا إجرام ولا إرهاب...
تونس اليوم في حداد غير معلن، متواصل منذ الهجوم الإرهابي الأول على متحف باردو مارس (آذار) الماضي والذي خلف 22 قتيلا، والثاني على هجوم سوسة الذي يعده التونسيون القشة التي قسمت ظهر البعير.
أهم عمودين يقف عليهما أي بلد كسرا في تونس؛ الاقتصاد والأمن. وجبر مثل هذا الكسر يبدو شبه مستحيل في ظروف دولية وإقليمية، شديدة الصعوبة.
غياب الأمل في اصلاحات اقتصادية على المدى القريب هو ما يخيف من التحاق المزيد من الشباب بصفوف "داعش"، وغيرها من التيارات الارهابية التي تختلف تسمياتها لكنها تفتح فمها مثل البعبع لتبتلع عقول وأرواح أبنائنا.
وبغياب الأمن يكتمل حلم "الخليفة".. تونس في حداد لن تخرج منه إلا اذا أنقذت نفسها، وهذا لن يحدث إلا بجبر ما كسر وفي أسرع وقت ممكن.
لا وقت للتنظير ولا مجال، والحكومة التونسية أمام خيار واحد لا بديل له هو ايجاد حل للاقتصاد.
الارهاب يولد مع التغاضي عمدا أو عجزا عن جوع الشعب وحاجته، وغياب الأمن...
ونجحت كل الأفلام الأميركية تقريبا في تشبيه الإرهابيين بمخلوقات فضائية، والإرهاب بوحش مجهول الملامح.
ونجحت أكثر في تصوير أسباب الإرهاب في الفيلم الذي أطلقته هوليود منذ حوالى شهرين"ماد ماكس"، فيلم يصور أسباب الإرهاب ودوافعه أحسن تصوير في صخب واقعي وفوضى تعكس ما يحيط بنا.
ولكل بلد أرضية مختلفة... قابلية مختلفة لـ"التأرهب".