ميشال أبو نجم
TT

إيران.. من «دولة مارقة» إلى «دولة متمدنة»؟

لم يعد السؤال المطروح اليوم ما إذا كانت إيران ومجموعة الدول الست ستتوصل الى اتفاق نهائي بعد أيام معدودة بشأن ملف طهران النووي الذي يتم التفاوض المكثف بشأنه منذ عشرين شهرا. والسبب في ذلك أن الجواب محسوم لأن المعلومات الواردة من فيينا تؤكد كلها أن الطرفين يحرزان تقدما ملموسا الى درجة أن المفاوض الروسي سيرجي ريابكوف قدر أن الاتفاق أنجز بنسبة 91 بالمائة. كذلك فإن زيارة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الى طهران يوم الخميس الماضي أسفرت عن تفاهم لحل المسائل المتبقية حول ما يسمى "البعد العسكري للبرنامج النووي الإيراني" وفق جدولة زمنية محددة.
اللافت أن الوزير جون كيري لم يغادر فيينا منذ حوالى أسبوع ولا هو عازم على مغادرتها في الأيام القليلة القادة؛ ليس لأن حادث الدراجة الهوائية الذي منعه من الحراك لأيام يفرض عليه ملازمة العاصمة النمساوية، بل لأن الرئيس الأميركي باراك أوباما أوكل إليه مهمة في غاية الأهمية وهي العودة الى واشنطن والأفضل قبل 7 يوليو (تموز) وفي جيبه الاتفاق النهائي مع إيران ليكون بذلك النجاح الدبلوماسي الوحيد الذي حققته الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط خلال عهدي أوباما. وبالمقابل، يحتاج الرئيس الإيراني حسن روحاني لهذا الاتفاق ليكون له بمثابة الرافعة السياسية في الاستحقاقات القادمة وفي عملية لي الذراع التي يتواجه بها مع الجناح المتشدد في القيادة الإيرانية.
إذا، التساؤلات الواجب التوقف عندها هي: ما الذي ستفعله إيران بهذا الاتفاق؟ أية سياسة ستسلك؟ كيف ستتعاطى مع محيطها المباشر في الخليج؟ وكيف ستتعامل مع أزمات المنطقة المشتعلة من اليمن الى العراق وسوريا؟ هل ستركز الحكومة الإيرانية التي ستستعيد ما بين 150 الى 200 مليار دولار اهتمامها على مداواة الاقتصاد الإيراني المريض بسبب العقوبات المفروضة عليها منذ سنوات، أم أنها ستسخدم هذه الموارد الجديدة لزيادة تدخلها في محيطها القريب والبعيد والاستمرار في التمدد وزيادة دائرة نفوذها؟
لا شك أن القيادة الإيرانية ستعتبر الاتفاق بمثابة "انتصار" مدو لها، وحجتها الأولى ستكون أنها قاومت وفرضت على الدول الخمس الكبرى ومعها ألمانيا الاعتراف بأنها أصبحت بلدا نوويا له حقوق وطموحات {الاستمرار في التخصيب والبحوث، المحافظة على المنشآت ...} فضلا عن الحصول على رفع العقوبات المفروضة عليها وتحرير اقتصادها مع ما يترافق ذلك من اجتذاب الشركات العالمية وعلى رأسها الغربية الطامعة بالسوق الإيرانية، إن كانت سلعا أو استثمارات. وهذا الانتصار يضاف الى التساؤلات السابقة: كيف سيؤثر على أدائها الإقليمي؟
ثمة قراءتان تستشرفان ما ستكون عليه السياسة الإيرانية للأشهر والسنوات القادمة.
تقول القراءة الأولى إن إيران ما بعد الاتفاق ستخرج من خانة ما كان يسمى في عهد الرئيس السابق بوش "الدول المارقة". فإيران الجديدة ستدمج سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وتجاريا واستثماريا وثقافيا وسياحيا .... في الدورة العالمية. وهذا الاندماج يفترض أداء جديدا وفق قواعد يقبلها المجتمع الدولي. ونتيجة ذلك، أن طهران ما بعد الاتفاق لن يكون بوسعها التصرف كما كانت تتصرف قبل الاتفاق. ستتحول، وفق القراءة الأولى، من "دولة مارقة" الى "دولة متمدنة" ما سيحتم عليها ان تتعاطى بـ"مسؤولية" مع الأزمات والتوترات. والمأمول أن ينعكس وضعها الجديد على الأزمات الرئيسة كأن تقبل مثلا التعاون لإيجاد حل سياسي للحرب الدائرة في سوريا منذ أربع سنوات، أو أن تدفع حلفاءها الحوثيين الى مواقف تتلاءم مع قررات مجلس الأمن الدولي ... وقس على ذلك.
بمواجهة هذه المقاربة المتفائلة، ثمة من يرجح قراءة تقع على طرف نقيض وحجته أن إيران التي "وقفت" بوجه الدول العظمى، ستعتبر ان توقيع الاتفاق معها ليس فقط اعترافا بحقوقها النووية، ولكن {خصوصا} اعتراف بدورها الإقليمي، وبالتالي فإنها ستعمل على استثماره وعلى زيادة وتوسيع تدخلها في القضايا الإقليمية عند جيرانها الخليجيين والعرب. ورهان طهران مزدوج: الأول، أنها ستطرح نفسها "قطبا جاذبا "سياسيا واقتصاديا وتجاريا واستثماريا. والثاني أنها ستعتبر أنها القوة التي تستطيع الوقوف بوجه "داعش" و"النصرة" وأخواتهما، وأن تؤكد أنها تقاتل الإرهاب في سوريا والعراق. والمغزى من ذلك كله أن إيران ستجد نفسها "طليقة اليدين" بعد أن تكون قد تحررت من تبعات الملف النووي واستعادت قدرات مالية واقتصادية جديدة يمكن أن تستخدم قسما منها في عملياتها الخارجية.
من الناحية النظرية كلتا القراءتين تصحان. لكنهما ليستا الوحيدتين، وهذا الخيار أو ذاك مرتبط الى حد بعيد بما سيكون عليه موقف الأسرة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. فهل هذه الأخيرة تنتظر ان "تتحرر" من الملف النووي الذي لا تريد أي تداخل معه في الوقت الحاضر حتى تسلك سياسة أكثر تشددا إزاء طهران؟ أم أنها، بعكس ذلك، ستجد في الاتفاق بداية لمرحلة جديدة مع إيران سوف تنسيها تحالفاتها القديمة وأولها الخليجية؟