حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الفضائيات المسمومة!

أتابع منذ فترة بخليط من الدهشة والاستغراب والاشمئزاز ما يقدم على محطات التلفزيون في القنوات الدينية منها تحديدًا، فمعظمها ممكن أن يندرج تحت توصيف التحريض الطائفي والتحريض الإرهابي، وأستغرب كيفية «السماح» لها طول هذا الوقت وعدم الربط المباشر بينها وبين ما يحدث من أحداث عنف متواصلة ومستمرة.
هذه القنوات تحوّلت إلى ترسانة واضحة تحرض وتبرر وتدافع وتعين الخطاب الإرهابي التكفيري (على الضفتين السنية والشيعية)، وتُترك هذه المحطات بحجة أن في ذلك الأمر الحد الأدنى من حرية الرأي والتعبير المكفولة. وأجد في هذا الرد غرابة عظيمة جدًا حينما أقارنه مع ردة الفعل الهائلة التي حصلت في مواقع مختلفة من العالم الإسلامي، وخصوصا العالم العربي، عندما أقدمت بعض الصحف الأوروبية بنشر رسوم كاريكاتيرية فيها إساءة بالغة للرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، واعتبروها «إهانة» و«مساسًا بالكرامة الدينية»، وأجد هذا الموقف هزليًا وساخرًا وغير مقبول ومن دون أي مصداقية طالما «يسمحون» بتقديم وبث ودعم برامج في محطات كلها وعن بكرة أبيها مليئة بالإهانة الشديدة لدين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسنته وتعاليمه أكثر بكثير مما تسببت فيه هذه الرسوم الكاريكاتيرية التافهة.
هذه المسألة هي إحدى «المعضلات المريبة» التي حينما ينظر إليها بدقة وتمعن وبموضوعية لا يمكن أن تؤدي الإجابة المؤلمة عن سؤال لماذا يسمح لهذه المحطات بالبقاء ومواصلة بث سمومها إلا بالقول، إن الحرب على الإرهاب ليست بالجدية الكافية، وبالتالي النتائج المرجوة والمأمولة لم تتحقق.
حجم الكراهية ومساحة الطائفية البغيضة الموجودان في هذه المحطات لا يمكن النظر إليهما بحسن ظن ولا التعامل معهما بطمأنينة. والمدهش أيضًا قنوات التمويل «الهائلة» التي توصل أرتالاً من الأموال لهذه المحطات المريبة دون أن يثير ذلك الأمر السلطات الأمنية التي تحرص على مراقبة الأموال والحرص على ألا تذهب إلى «تنظيمات مريبة إرهابية».
المشكلة أن النظر إلى الإرهاب كأشكال «نمطية» وشخصيات ملثمة ومسلحة سيبقي الأمر مسألة قاصرة، ولكن إذا ما تم التعاطي مع الموضوع بشكل أكثر تكاملاً فلا بد من اعتبار المنابر الإعلامية (وعلى رأسها القنوات الفضائية الطائفية المحرضة) أداة نافذة من أدوات الإرهاب التي تدفع المنطقة بأسرها ثمنًا للتراخي والتساهل في مواجهتها والتعاطي معها.
ترك هذه المحطات دون التصدي لها «سمح» لها بالتمادي والتكاثر ورفع السقف في الإهانة والتحريض للطرف الآخر حتى باتت النار مؤججة والأجواء في غاية التوتر. ليس من المقنع أن تتكرر أسطوانة «الحرب على الإرهاب» أو «تجديد الخطاب الديني»، وفي نفس الوقت تترك هذه «البراميل المتفجرة» منطلقة في سماء الفضائيات تلوث العقول وتعبث بالسلام الأهلي في المجتمعات الآمنة.
اللوثة العقلية الموجودة في خطاب الفضائيات الدينية الإرهابية التكفيرية، في الفريقين السني والشيعي باتت مسألة لا يمكن السكوت عنها ولا يمكن الاستمرار في كذبة أن المجتمعات العربية تحارب الإرهاب وهي تسمح لها بالاستمرار.
الحرب الحقيقية على الإرهاب يجب أن تكون على كل الأصعدة بلا أي استثناء لأن ترك أي منفذ سيمكن للإرهاب أن يكبر ويتمدد ويستمر.