ميشال أبو نجم
TT

خلفيات استهداف التحالف مواقع «داعش» في حربه مع «النصرة» وأخواتها

تثير الضربات الجوية التي قامت بها قوات التحالف الدولي ضد مواقع لتنظيم "داعش" ليل السبت ــ الأحد شمال سوريا قريبا من معبر أعزاز الحدودي مع تركيا حيث تدور معارك بين قوات "داعش" وأخرى تابعة لـ"جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام"، أكثر من سؤال حول توقيت التدخل ومعناه وأبعاده، وعما إذا كان يشكل تحولا في الموقف الأميركي وبداية تدخل مباشر في الحرب الدائرة بين "داعش" وقوى المعارضة المسلحة وعلى رأسها "النصرة".
التساؤل الأول يتناول موقف واشنطن من "النصرة " التي هي الفرع المحلي لـ"القاعدة"، وهي موجودة على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية منذ عام 2012 وعلى لائحة الأمم المتحدة لهذه المنظمات منذ 31 مايو (أيار) من العام 2013. ورغم أن واشنطن بإمكانها القول إنها لا تعمل على مساعدة "النصرة" والتنظيمات المسلحة الأخرى بل ضرب "داعش" كما تفعل ذلك منذ تسعة أشهر في العراق وسوريا، إلا أنها عمليا وموضوعيا، تقوم بمساعدة "النصرة" والقوات التي تقاتل الى جانبها. وبما انه من الصعب تصور ان المخططين الأميركيين المسؤولين عن تحديد ما يسمى "بنك الأهداف" للطيران الأميركي والحليف قد ارتكبوا خطأ، فإنه يصبح من الضروري النظر الى ما حصل ليل السبت ــ الأحد باعتباره تحولا أو بداية تحول في المقاربة الأميركية لواقع الحرب في سوريا وللأولويات والتحالفات. ولمزيد من الإيضاح وتبيان مدى هذا التحول، من المفيد الإشارة الى أن القوات الجوية الحليفة ضربت في الماضي القريب مواقع "النصرة" أكثر من مرة آخرها يوم 20 مايو في حلب. كذلك سبق لها ان استهدفت "أحرار الشام" الخريف الماضي في الشمال الغربي لسوريا.
تشكل "النصرة" العصب الأساسي لـ"جيش الفتح" الذي حقق إنجازات ميدانية في الشمال الغربي لسوريا بسيطرته على إدلب وجسر الشغور وأريحا وقرى ومساحات واسعة في سهل الغاب، إضافة الى ثكنات ومواقع عسكرية وتقدم باتجاه الساحل السوري ليهدد المناطق التي تشكل الخزان الحيوي البشري للنظام وقاعدته المذهبية. ومن المتعارف عليه أن "جيش الفتح" ما كان قادرا على قلب التوازن العسكري الميداني مع قوى النظام والقوات الرديفة التي تدعمها من غير تلقيه أسلحة نوعية بكميات كبيرة. إضافة الى ذلك، ما كانت كل هذه القوى بكافة تلاوينها السياسية والإيديولوجية لتقبل الإنخراط تحت لواء "جيش الفتح" والتحرك الميداني المشترك لولا الضغوط والوساطات السياسية العديدة التي قامت بها أطراف خارجية مؤثرة هي نفسها التي أوصلت السلاح إليها. لذا، ليس من المستبعد ان تكون الضربات الجوية ضد "داعش" في مواقع المواجهة مع "النصرة" وأخواتها الخطوة الثانية في عملية إعادة ترتيب أوراق الحرب السورية، حيث كانت أهداف التحالف محصورة بضرب مواقع "داعش" التي تبقى العدو الأساسي في سوريا والعراق وأبعد من هذين البلدين.
قبل أسبوع، التأم في باريس اجتماع "المجموعة المصغرة" من بلدان التحالف الضالعة في محاربة "داعش" بحضور رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وشهد الاجتماع نقاشات سياسية أفضت الى خلاصات تم الإعلان عنها وتحدثت عنها الوسائل الإعلامية في حينه. لكن اللقاء شهد مناقشات عسكرية كان محورها الجنرال آلن مبعوث الرئيس الأميركي الشخصي لدى التحالف ومنسق النشاطات العسكرية التي لم يرشح عن مضمونها شيء. لكن الثابت أن المجتمعين وصلوا الى قناعة مفادها انه لن يكون التغلب على "داعش" ممكنا في العراق، وهو الهدف الأول للتحالف، من غير ضربه بالتوازي في سوريا إما مباشرة أو عبر دعم القوى التي تقاتله وعلى رأسها "النصرة"، وذلك على غرار ما فعلته قوى التحالف عندما كانت المعركة دائرة بين الأكراد في عين العرب {كوباني} و"داعش".
واضح أن الأمور أخذت تتغير في سوريا بسرعة حيث مواقع النظام تتساقط في أكثر من جبهة خصوصا في الجبهة الشمالية الغربية. وليس استدعاء آلاف المقاتلين من الإيرانيين والعراقيين الذي جاؤوا على عجل بطائرات إيرانية من أجل "تحصين" دمشق ومحيطها بينما قوات حزب الله تأخذ على عاتقها السيطرة على منطقة القلمون، إلا دليل على وهن النظام واستحالة الاستمرار في الحرب بقواه الخاصة وعجزه عن القتال على كل الجبهات في وقت واحد. لكن الثابت أن واشنطن ومعها الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية لا ترغب اليوم بسقوط نظام الأسد في دمشق بشكل "عشوائي" لأنها تتخوف بدرجة اولى من الفراغ الذي ترى أن "داعش" سيكون أول من يسعى لملئه. وإذا حدث شيء كهذا، فإنه سيكون من المنظور الأميركي والغربي، بمثابة "كارثة الكوارث" ودليل دامغ على فشل الاستراتيجية المتبعة منذ نهاية الصيف الماضي ولطمة لأكثر من ستين دولة يتكون منها التحالف. وإذا صحت هذه المقاربة، فإن تظهير الصورة وفق التصور الأميركي - الغربي يعطي ما يلي: إضعاف النظام السوري من غير انهياره ولكن لدفعه الى الجلوس مجددا الى طاولة المفاوضات من أجل حل سياسي رفضه في جنيف، الاستمرار في محاربة "داعش" قبل وبعد الحل المنشود مباشرة أو بالواسطة بما فيها عبر "النصرة". إقناع الطرف الروسي بالسير اليوم في حل من هذا النوع يمكن أن يوفر ضمانة للمصالح الروسية، حيث أن النظام المتهاوي لم يعد قادرا على ضمانها. لكن يبقى على واشنطن وعلى الغربيين ان يجدوا أرضية تفاهم مع إيران على الملف السوري نظرا للدور الكبير الذي تقوم به طهران ولحرصها على استمرار النظام لما له تأثير على حزب الله ودوره وموقعه في المعادلة الإقليمية. ولا شك أن مصير المفاوضات النووية مع طهران سيكون له تأثيره الكبير على تطور تعاطي طهران مع الملف السوري الذي سيطرح عاجلا أم آجلا على الطاولة، رغم حرص الطرفين الإيراني والدولي {خمسة زائد واحد} على التأكيد على الانفصال التام بين الملفين.
يبقى سؤال "محرج" هو أين موقع "النصرة" في التصور الجديد؟ هل ستقبل طرفا وبأية شروط؟ هل سيتم الضغط عليها للانفصال علنا عن "القاعدة" حتى تتجول الى طرف مقبول؟ أم أن هذه الحرب هي في الواقع مجموعة من الحروب المتلاحقة بحيث تبدأ حرب جديدة بعد الانتهاء من الحالية؟ أسئلة يتعذر الإجابة عنها في الوقت الحاضر ومتروكة للقادم من الأيام.