خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

صوت من العراق

يصعب علي أن أتصور عراقيا لم يسمع باسم عزيز علي، ذلك المونولوجست الساخر والثائر الذي اجتاح الساحة بمونولوجاته من الثلاثينات إلى الستينات. وما زالوا يستمعون إليه. وعلى عكس ما فعلت إذاعة بيروت بالزعني، رحبت الإذاعة العراقية بموهبته فجرى بينه وبينها ما يحصل بين الزوج وزوجته من محبة وقطيعة. ولكنه حياها بمونولوج شهير: «الراديو يا ما احلى الراديو!» أثنى فيه على أهمية التكنولوجيا الحديثة في نشر المعلومات والحقائق والثقافة عموما.
كان عزيز علي مؤمنا بالقومية العربية ووطنيا ملتزما وأصبح لسان حال الحركة الوطنية في العراق:
يا جماعة والنبي، إحنا عندنا بستان، جنة من هالجنان
فيها ما تشتهي الأنفس من فواكه ألوان
لكن اللي يدري يدري وأكثر العالم ما تدري
سرنا ما أحد يدري بي
وقف هالبستان ذري صايرة للأجنبي
وترد عليه الجوقة فتخاطب الأمة العربية، بإيقاع رهيب من ضرب أقدام زاحفة:
يا بلاد العربي جددي عهد النبي
جاهدي لا تلعبي، أقدمي لا ترهبي
مجدنا يا قوم أمسى موطئا للأجنبي
من أقاصي حضرموت لأقاصي المغرب
بيد أن نقده المتواصل للسلطة والإنجليز زج به في مشاكل متواصلة. ولكن شعبيته منعتهم من قمعه. فاضطر رئيس الحكومة، نوري السعيد، لتناول الفطور معه ومعاتبته. لماذا تركز على السلبيات ولا تذكر المنجزات أيضا؟ خرج من ذلك اللقاء الودي وعبر من الراديو عن محنته ليعتذر ويقول إنه فنان يحب الزجل ولا يستطيع مقاومة هذه الرغبة، ولا سيما أنها في خدمة الوطن. ولكنه مبتلى بالإذاعة التي تلح عليه بمواصلة مونولوجاته:
تقول احكي بكل صراحة لكن الصراحة الها حدود
هذي والله سماحة من الإذاعة وهذا جود.
ترد عليه الجوقة بالنصح وتحذره:
يا حسن، يا بعد عيني حسن
ليش تدوّر طلايب وانت من أهل الفطن
وانت تدري يا حسن بالصيف ضيعنا اللبن!
عزيز علي صادق في ادعائه بخدمة الوطن فقلما ترك آفة من آفات التخلف والتقاليد الاجتماعية البالية والظلم والاستبداد والجهالة والإيمان بالخرافات دون أن يتعرض لها. بيد أن إصراره على التعرض للإنجليز (الأجنبي) وصنائعهم وسوء أحوال البلاد استنفد صبر الحكومة في الأخير واضطرها إلى اعتقاله وإرساله إلى معتقل الكوت طوال الحرب العالمية الثانية.