د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

وجبات طعامنا هي صحتنا ومتعتنا

أحد القرارات الصحية المهمة في حياة أحدنا، هو تحديد نوعية العلاقة فيما بينه وبين وجبات الطعام التي يتناولها. وتحديد نوعية أي علاقة مبني على أمرين هما: معرفة الأهداف المرجوة من قبله، والخدمات المُستقبلة من هذا الشيء الذي نريد تحديد نوعية العلاقة معه.
وفي جانب تناول الطعام اليومي تنحصر الأهداف المطلوبة والخدمات المُستقبلة في أربعة عناصر، وهي: أولا وقف استمرار الشعور بالجوع، وثانيا الشعور بالمتعة واللذة بتناول أصناف الطعام الشهي، وثالثا تزويد الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة لعمل أجهزة الجسم، ورابعا الوقاية من الإصابة ببعض أنواع من الأمراض ومعالجة أنواع أخرى منها. وهناك من يُمثل له تناول الطعام سدّ الشعور بالجوع فقط في غالب الأحوال، أو سدّ الشعور بالجوع بتناول ما لذّ وطاب من أي صنف كان الطعام وبأي قيمة غذائية وصحية يمتلكها، وهناك منْ يُضيف أن يكون الطعام محتويا على عناصر محددة تهمه، وهناك أشكال وأشكال أخرى لتلك العلاقة لدى طيف واسع من الناس.
ولكن، ومن وجهة النظر الطبية المبنية على مصلحة المرء بالدرجة الأولى وفق ما هو ثابت علميا، وعلى المدى القريب والبعيد، فإن أجمل ما تكون قرارات تحديد العلاقة بيننا وبين طعامنا، هي التي تضمن تحقيق جميع الأهداف والاستفادة من جميع الخدمات المُستقبلة، بأن تكون وجبات طعامنا مصدر وقف شعورنا بالجوع الأليم عبر تناول تقسيم أوقات وجبات طعام شهي ولذيذ، يُزود أجسامنا باحتياجاتها من العناصر الغذائية، وبكميات ومحتوى من المنتجات الغذائية الصحية لوقاية أجسامنا من الإصابة بالأمراض وللإسهام في معالجة أي أمراض قد نعاني منها.
يجدر بداية ألا نتناول الطعام إلا حينما نجوع ولا نبالغ في الأكل إلى حدّ الشبع، وثانيا أن ننتقي تناول الطعام الذي تم إعداده بعناية ونظافة وبوسائل طهي تعطينا لذة ومتعة، وثالثا أن يكون ما نصنع وجبات الطعام منه، هو منتجات غذائية طبيعية وصحية ومتنوعة في محتواها من العناصر الغذائية، ورابعا أن ننتقيها ونتناولها بعناية كي نقي أنفسنا من الأمراض التي نعلم ما الذي يتسبب بها من أنواع وكمية الأطعمة ولكي نضبط أي اضطرابات مرضية قد تكون لدينا.
حينما نستحضر أسس هذا العلاقة فإننا سنساهم بداية في جهود تقديم الطعام لنا، بمعنى أننا نشارك في تحديد مواصفات «ستايل» الطعام. ومن بين أنواع الأطعمة ومطابخ إعدادها، تبقى وجبات طعام البحر الأبيض المتوسط هي التي تمثل الاعتدال الصحي بمحتواها العامر بالخضار والفواكه والبقول والحبوب الكاملة غير المقشرة ومشتقات الألبان، وتقليل اللحوم الحمراء وتناول الأسماك وإضافة المكسرات واستخدام زيت الزيتون وغيرها من سمات «ستايل» وجبات طعام البحر الأبيض المتوسط.
وضمن عدد 11 مايو (أيار) من مجلة جاما للطب الباطني JAMA Internal Medicine الصادرة عن رابطة الطب الأميركية عرض الباحثون من إسبانيا نتائج دراستهم حول تأثيرات إضافة زيت الزيتون والمكسرات إلى وجبات طعام البحر الأبيض المتوسط لجهة تحسين مستوى الذكاء الذهني مع التقدم في العمر. ووجد الباحثون أن كبار السن الذين يحرصون على تلك الإضافات إلى تلك النوعية المميزة من طعام الوجبات اليومية يحصلون على تحسن كبير في التفكير والذاكرة مقارنة بأولئك الذين فقط تم نصحهم بنوعية صحية أخرى من وجبات الطعام وهي وجبات الطعام قليلة الدسم.
وعلق الدكتور إيميلو روس، مدير عيادات الدهون في هوسبيتل كلينك ببرشلونة، بالقول: «بإمكان أحدنا أن يؤخر بدء تدهور القدرات الذهنية بفعل التقدم في العمر عبر تناول أطعمة صحية غنية بالأطعمة المحتوية على كميات عالية من المواد المضادة للأكسدة antioxidant، مثل زيت الزيتون والمكسرات. ومتوسط عمر المشاركين في دراستنا كان 67 سنة عند بدء دراسة المتابعة التي استمرت نحو 6 سنوات، ولذا يُمكننا القول إنه ليس هناك وقت متأخر، وليس صحيحا أن لا فائدة من البدء في إجراء تغيرات صحية في نوعية تغذيتنا اليومية بغية الحفاظ على القدرات الذهنية وحتى تطويرها ورفع مستواها».
وفي تعليق منفصل قال الدكتور سام غاندي، مدير مركز الصحة العقلية في مستشفى ماونت سيناي بنيويورك: «التأثيرات العامة للتغذية الصحية الموصوفة لتحسين صحة القلب والدماغ، عبر تقليل تناول اللحوم الحمراء والإكثار من تناول الأسماك والخضار والفواكه، هي ثابتة لدينا لدرجة أنني أنصح كل مرضاي بتناول وجبات طعام البحر المتوسط».
والواقع أن زيت الزيتون والمكسرات شملتهما دراسات طبية كثيرة ولاحظت في نتائجها أن ثمة فوائد صحية لهما في جانب تحسين القدرات الذهنية والوقاية من تدهورها، ولذا ربما قد لا تثير نتائج هذه الدراسة الدهشة لدى الأوساط الطبية، ولكن ما هو مطلوب من هذه الأوساط نقل هذه الرسالة عبر الحديث المباشر إلى المرضى عن العلاقة بيننا وبين أطعمتنا. ونتائج الدراسات الطبية تتحدث عن نوعية متقدمة من العلاقة المتميزة في الاستفادة بيننا وبين طعامنا اليومي بينما حديث الأطباء لا يزال مقتصرا على تناول الأدوية أو إجراء الفحوصات الطبية والنصيحة بخفض الوزن. طعام وجباتنا اليومية متعة وبالإمكان أن يكون صحة وعافية، وما يُدخله أحدنا إلى جوفه يجدر ألا تكون الغاية منه سدّ الجوع ولا لذة الطعم، بل بالإمكان أن يُضيف إليهما المرء تحقيق أهداف أخرى لا تُخل بسدّ الجوع ولا بلذة الطعم الشهي.