حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

أشهر سجين سعودي

غدًا الأربعاء يمثل للمواطنين السعوديين بكل شرائحهم يومًا حاسمًا يترقبونه بكل اهتمام، حيث سيمثل حميدان التركي أمام المحكمة الأميركية لتصدر حكمها إما بالإطلاق المشروط أو استمرار سجنه.
يكاد يكون حميدان التركي، المبتعث السعودي الذي حكمت عليه المحاكم الأميركية قبل نحو تسع سنوات بالسجن مدى الحياة، على خلفية اتهامات بإساءة التعامل مع خادمته الإندونيسية.. أشهر سجين سعودي عطفًا على التفاعل الشديد الذي أبدته شريحة كبيرة من المواطنين السعوديين، حتى تحول إصرار السلطات الأميركية على اعتقاله إلى قضية وطنية، ومن يتابع «هاشتاغات» حميدان التركي والتغريدات ذات الأعداد الكبيرة يدرك فعلا أن كثيرًا من الأسر السعودية تحس أن ولدها هو السجين، فما السر في هذه التفاعل الوطني الكاسح مع قضية حميدان التركي علمًا بأن حميدان ليس السجين السعودي الوحيد خارج المملكة؛ ففي سجون الدول العربية والغربية، بما فيها سجون الولايات المتحدة، عدد من المواطنين السعوديين يقبعون خلف القضبان؟
السبب في هذا التعاطف الاستثنائي مع حميدان التركي هو إحساسهم العميق بفداحة الظلم الذي وقع عليه وعلى أسرته المكلومة، وليس الإحساس بالظلم يعني بالضرورة التشكيك في قضاء أميركا المستقل، فالقضاء نفسه هو الذي برأ مبتعثًا سعوديًا آخر، هو المهندس سامي الحصين، وفي قضية أخطر، قضية أمنية وليست جنائية، وهي التهمة التي أبتلي بها حميدان. هذا الإحساس بالمظلومية مصدره عدم اقتناعهم بطبيعة إجراءات المحاكم الأميركية التي تعتمد في أحكامها القضائية على 12 محلفًا، والمحلفون أناس عاديون من عامة الشعب يجري اختيارهم عشوائيًا ويحضرون جلسات المحكمة ويستمعون للدعاوى واعتراض المحامين عليها، ثم يطلب منهم القاضي الحكم إما بارتكاب الذنب أو البراءة، وهذه وإن صلحت للمجتمع الأميركي، لكنها قد لا تصلح حين يحاكم عرب مسلمون يحمل عنهم المجتمع الأميركي وعن دينهم وبلدانهم صورة نمطية شوهها الإعلام تشويهًا ممنهجًا، فيصعب على المحلفين أن يصدر منهم قرار عادل ومنصف إلا أن ينعتقوا من المؤثرات الخارجية، وهذه شبه مستحيلة، وحتى تتضح الصورة، تخيل لو أن إيران تعتمد نظام المحلفين وحاكمت سعوديًا، أو العكس، بحيث يكون المتهم إيرانيًا يُحاكم في السعودية التي تعتمد على سبيل الفرض نظام المحلفين، فهل يعقل أن نتوقع من المحلفين الإيرانيين الحكم على المواطن السعودي بموضوعية وإنصاف، أو نتوقع من المواطنين السعوديين الحكم على الإيراني بموضوعية وإنصاف؟
ومن الأسباب التي أدت لهذا التعاطف الاستثنائي مع السجين السعودي الأشهر، شراسة الحكم عطفًا على التهم، فليس من المعقول ولا المقبول الحكم بالمؤبد على تهم مثل التحرش الجنسي من الدرجة الرابعة (الأولى هي الأخطر، والرابعة تعني مجرد اللمس)، واتهامه بالتعامل مع الخادمة كعبدة لمجرد أنه احتفظ بجوازها واحتفظ برواتبها بناء على طلبها، وخصص لها غرفة في القبو، ولم يسمح لها باتخاذ صديق وممارسة حريتها بالذهاب لأي مكان ترغب فيه، كالنوادي الليلية، في وقت حكمت فيه محاكم أميركية على جنود أميركيين اغتصبوا فتيات في العراق وغيره بالسجن سنوات لا تزيد عن الأربع سنين، إحدى هذه الحوادث اغتصاب وقتل!!!
ولهذا فالسعوديون في ظل «العواصف» المباركة التي هبت في العهد السعودي الجديد الممتزج بالروح الشبابية الوثابة يتعشمون كثيرًا في قيادتهم للتدخل، من خلال الأطر القانونية والرسمية، لرفع هذه المعاناة عن هذا السجين وأسرته المكلومة.