محمد العريان
أقتصادي مصري- أمريكي
TT

ما لم يوضحه رئيس البنك المركزي الأوروبي

رسم ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، صورة وديعة تحمل الأمل خلال مؤتمر صحافي عقد في فرانكفورت مؤخرا. وكان واقعيًا في الوقت ذاته بشأن ما ينبغي على حكومات دول منطقة اليورو فعله، من أجل إتاحة فرصة للبنك ليحقق نجاحًا كاملاً. ولم يدَع دراغي مجالاً للشك في التزام البنك بتنفيذ سياسة نقدية «غير معيارية». وأكد مرة أخرى على «اعتزام» البنك المركزي التدخل في الأسواق حتى نهاية سبتمبر (أيلول) 2016، بغض النظر عن المخاوف بشأن سعر الفائدة الاسمي السلبي على السندات، واحتمال حدوث انخفاض في الأوراق المالية المعروضة للبيع. ومن المقرر أن يستمر هذا الوضع إلى ما بعد ذلك التاريخ في حال حصول البنك على نتيجة الاقتصاد الكلي، التي يستهدفها برنامج التيسير الكمي.
ومن أجل التأكيد بقوة على هذا الأمر، سعى دراغي لتبديد المخاوف من الخطر الشامل الحتمي للتيسير الكمي. ويتضمن هذا التركيز على المخاطر المستقبلية للاضطراب المالي، وتخفيف المسؤوليات الملقاة على كاهل الحكومات. وأكد مرة أخرى على أن «نيات» خطط التيسير الكمي للبنك المركزي الأوروبي تفوق «التوقعات»، وأعرب عن دهشته من تكهن البعض في الأسواق بنهاية مبكرة لتلك السياسة. وعند حديث دراغي عن تأثير التيسير الكمي، كان متفائلاً بشأن النتائج الأولية. وأشار إلى تحسن تدفق القروض، وغيرها من المؤشرات النقدية الأخرى. وأعرب عن ارتياحه تجاه الزخم الكبير لاقتصاد منطقة اليورو، رغم التباين الكبير بين الدول. وبذلك قلل من شأن المخاوف من تشجيع السياسة، التي ينتهجها البنك المركزي الأوروبي، على حدوث فقاعات مالية رغم أن تركيزه كان منصبًا بالأساس على خطط الرفع المصرفي.
مع ذلك ما لم يوضحه دراغي هو أن تجربة منطقة اليورو في التيسير الكمي تشبه كثيرًا تجارب دول أخرى قامت بمحاولات مماثلة وبوجه خاص اليابان، والولايات المتحدة. وكما كان الحال في أماكن أخرى، سرعان ما لاقت المراحل الأولى لبرنامج البنك المركزي الأوروبي ردًا متعاونًا من الأسواق المالية تضمن ارتفاع أسعار الأسهم، وانخفاض الأرباح على السندات، وخفض قيمة العملة. وعززت هذه الاستجابة الشعور السائد بشكل أكثر شمولاً، وكان لها تأثير جزئي على النشاط الاقتصادي.
وكان هذا هو الجزء السهل، الذي وصفته سابقًا بأنه «أول ثلث من رحلة التيسير الكمي»، أما الثلثان المتبقيان من الرحلة فأصعب. ويتطلب النجاح استمرار التقدم الاقتصادي، وفي الوقت ذاته احتواء «التكاليف والمخاطر» المرتبطة بأسعار الأصول، التي ترتفع بشكل غير مبرر وغير حقيقي، وبسوء توزيع الموارد المحتمل. ومن أجل إدارة الأمور بنجاح وحنكة، يحتاج البنك المركزي الأوروبي إلى كثير من المساعدة من مؤسسات أخرى. وكما أوضح دراغي، سوف يتطلب النجاح النهائي للسياسة غير التقليدية، التي يتبناها البنك، من الحكومات القيام بإصلاحات هيكلية أكثر عمقًا، من بينها إصلاحات في أسواق العمل والمنتجات، وكذا تشجيع الاستثمار، والتوسع، في مجال الأعمال. كذلك سيتطلب النجاح تطبيق علاج أكثر وضوحًا للميزانية يشمل تجاوز مشكلة تزايد الديون، بشكل لا يسمح بالحصول على مزيد من القروض. وفي رأيي، يتطلب النجاح أيضًا زيادة الطلب داخل أوروبا بحيث يكون أكبر، ويكون مقسمًا بشكل أكثر تساويًا على الدول.
ولا تزال أوروبا بعيدة عن تحقيق أي من هذه الأمور. وينبغي أن تحد الدروس المستفادة من تطبيق سياسات مماثلة في أماكن أخرى من بهجة الاحتفال بالبداية المشجعة لخطة التيسير الكمي في منطقة اليورو.
لم يتم الوصول بعد إلى الجزء الأصعب من الرحلة، ولا يزال البنك المركزي الأوروبي بحاجة إلى تأمين الدعم لسياسته من حكومات الدول الأعضاء.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»