علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

حكاية الإوز والبيض الذهبي

لم تذكر لنا الحدوتة شيئا عن مهنة البطل. في الغالب كان خبيرًا اقتصاديًا في حكومة ما من حكومات العالم الثالث. كما أنها لم تذكر اسمه أو محل سكنه. كل ما نعرفه عنه هو تلك الصفة التي عرف بها في طول التاريخ وعرضه وهي «الرجل الذي ذبح الإوزة التي تبيض ذهبًا». والحدوتة كما جاءت في كل الوثائق القديمة، تقول إن رجلاً ما كان لديه إوزة تبيض ذهبًا، بيضة واحدة كل صباح. لم تذكر المراجع عيار هذا الذهب وفي الغالب كان عيار 24 قيراط. في كل صباح كان يخرج من بيته ومعه البيضة الذهبية متجها بها إلى حي الصاغة ليبيعها، ومن هناك كان يأخذ طريقه إلى البنك لإضافة ثمنها إلى حسابه.
وذات يوم، فكر في أن هذا المشوار اليومي بات مجهدًا أو مملاً، وربما فكر أيضًا في أن يحصل في ضربة واحدة على كل البيض الذهبي الموجود في جوف الإوزة. وهذا ما حدث بالفعل، ذبحها.. وكما هو متوقع لم يجد شيئًا، لا ذهب ولا فضة.
اللاوعي الجمعي هو خزانة البشر التي يحتفظون فيها بدقائق تاريخهم والعبر والمعاني التي تعلموها عبر آلاف السنين. والحدوتة هي أهم إنتاج للاوعي الجمعي. هي برشامة صغيرة ممتلئة بالفهم والوعي. وهي لا تكذب بل تحمل لنا رسالة علينا أن نفهمها وأن نعمل بموجبها. لا بد من الوقوف أمام هذه الحدوتة لندرك بالفعل أنها تنبهنا إلى وجود نوع من البشر يدمرون ما يملكونه من ثروة، في الوقت الذي يتصورون فيه أنهم يعظمونها. مرة أخرى أنا أحدثك عن الهدف الاستراتيجي عندما تحاول تحقيقه من خلال وسائل خاطئة فتصل إلى عكس الهدف. هكذا ترى أن هذه الحدوتة جادة تمامًا ولم يصنعها الأجداد لمجرد أنها طريفة.
إنه الصراع التقليدي بين المنطق الصوري والتفكير العلمي. المنطق الصوري يقول: لماذا أضيع وقتي في انتظار بيضة واحدة كل يوم؟ لماذا لا أحصل على كل البيض دفعة واحدة؟
أما التفكير العلمي فيقول: عليّ أن أحافظ على هذه الإوزة في حالة صحية ممتازة لكي أضمن استمرارها في إنتاج البيض الذهبي.
نحن نعاني في مصر أشد المعاناة من ضعف حركة السياحة، ومع ذلك اتخذنا قرارًا بإلغاء منح التأشيرات الفردية في المطارات للأجانب ابتداءً من شهر مايو (أيار) القادم. هو قرار يعكس ما أسميه الخوف الأمني. الذي يتجاهل أن العدو في هذا العصر ليس في حاجة لأن يأتي إلى بلد حضرتك بشحمه ولحمه. التكنولوجيا المعاصرة تتيح له أن يرسل تعليماته وتمويلاته من بعيد. كل الإجراءات التي يتخذها البشر بدافع من الخوف تنتهي بالهزيمة والإفلاس، المطلوب هو الحذر وليس الخوف. بعد أن تسلمنا سيناء استولى علينا خوف شديد، هاجس فظيع أن إسرائيل ستنتهز أول فرصة للقفز عليها. بل قرأنا مقالات تقول إن الدفاع عن سيناء أمر مستحيل لذلك لا يجب تنميتها. ونتيجة لذلك كبلناها بكل القيود التي منعت الناس من العمل وسمحت فقط لقوى الإرهاب بالنمو والازدهار. هكذا ذبحنا كل الإوز المنتج للذهب فيها.
ابحث في كل موقع فشلنا فيه، ستجد شخصًا من هواة ذبح الإوز الذي يبيض ذهبًا.