رجينا يوسف
صحافية لبنانية
TT

زمرة من الإرهابيين

بدأ الفيلم بآخر مشهد من القصة، احترق البطل المسجون داخل قفص حديدي كبير، كان يعلم أن لا مفرّ له من هذا المصير الذي فرضه عليه زمرة من الإرهابيين، فاتقن دوره. وانتشر بعدها الفيلم القصير الذي بدأ بشعلة نار وانتهى بحريق كبير ليشعل قلوب مّن يحملون ذرة ضمير في هذا الجسد الآدمي.
بعد أيام تطوى صفحة الطيار معاذ الكساسبة، كما طويت صفحات أبطال كثيرين ممن ضحوا بحياتهم لأجل أوطانهم؛ ويبقى الألم خنجرا يحفر في صدور من عايشوه وأقرب المقربين إليه. رحل الكساسبة وبقي ملف الحرب جاهزا ليفتح صفحات بيضاء جديدة تتلطخ بدماء أبطال جدد في كل يوم ومع كلّ رمشة جفن.
لا تقل هذه الحادثة حزنا عن أي قصة موت تطول إنسانا في أمتنا العربية، الفارق الوحيد أننا شاهدنا عملية القتل، كيف التهمته النيران وهو حيّ، ولأننا ندرك إدراك اليقين أنّ المشهد ليس فيلما للعامة ولا كابوسا عاشه أهل الفقيد، بل حقيقة مؤلمة والبطل لن يعود ليسير في شوارع عمان، ولن يستيقظ صباح ربيع مع الطيور المغردة ليرتشف القهوة مع من يحب.
أثارت واقعة الإعدام حرقا، هستيريا في الشارع الأردني امتدّت إلى أغلبية الشوارع العربية. وردود فعل الأردنيين كانت حقا مشروعا لهم. ولكن ما ورد من ردود فعل فئة لا يستهان بها في العالم العربي كانت مرعبة للغاية.
لأنها، على ما يبدو، لم تر في قضية أسر وإعدام الكساسبة سوى ردة فعل طبيعية، بل ومحقة، لما يتعرض له الشعب السوري من قصف ودمار، وهذا التبرير غير منطقي لأن ليس هناك ضمير حي يرضى بالقهر الذي يعانيه السوريون. وهنا يظهر جليا كيف يعشش الكره في نفوس البعض؛ إذ أصبح الانتقام جزءا من حياتهم، وفرضُ الموت على الآخرين كذلك.
الأخطر من ذلك هو الدفاع الشرس عن عمل هذه الزمرة من الارهابيين، التي تستخدم تكتيكا يمكنّها السيطرة على عقول الضعفاء.
وبفضل التطور العلمي أصبح لبعض المعلقين العرب من المتطرفين مساحة حرّة لصب أحقادهم الدفينة وبث الحقد الطائفي باسم حرية الرأي وتحليل الأمور.
فكان لهم رد على السؤال الأول لماذا أحرق؟ لأنه شارك "الكفار" في قتل "المسلمين العرب"؛ ما هو الهدف؟ الهدف إيقاف برك الدماء التي تسيل من ابناء الشعب السوري، والتبرير انتم قتلتم وهم ردّوا عليكم بالمثل.
ولكن المسألة على مواقع التواصل الاجتماعي ليست مسألة حرب بين بلدين أو طرفين متنازعين من أجل إثبات الوجود وفرض سيطرة أيديولوجية على أخرى، بل كتابة فكرة عن حدث اجرامي، فكيف يبرر القتل علنا وبهذه الوحشية؟
ولو أنّ كل فرد ممن علّق على عملية الإعدام نظر في عيني الكساسبة ورأى فيهما روح إنسان ومواطن يخدم بلده، بغض النظر عن أي رأي سياسي يوافق أو يعارض مشاركة الأردن في الضربات على التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق، لاختلف التعليق؛ لأن الكساسبة ليس صاحب القرار، وهو ينفذ مهمامه التي أوكل بها، وكما يرى المنتقدون بأن الحق نصيرهم فعدوهم أيضا يرى الأمور بمنظاره؛ ولكن بالاتجاه المعاكس.
يصدف أحيانا أن نسمع خبرا مؤلما فنتعاطف معه للوهلة الأولى، وربما بعد التفكير والتحليل نخفف من هذا التعاطف لنعمل عقلنا ونختار موقفنا من الأمور بعد عملية تحليلية منصفة. لكن أن نكتب آراء عشوائية مليئة بالحقد بحجة التعبير الحر عن الرأي، فهذا ما يشير إلى أننا نسير نحو تصعيد الكراهية ليس بين أبناء الأمة العربية فحسب، بل أيضا بين أبناء الشعب الواحد والدين الواحد.
أحرار نحن بما نكتب، وهذه هي رؤيتي للأمور، أحرار نحن فيما نعبر؛ ولكن الحرية تعني أن نكتب فكرة نختلف فيها مع الآخر أو أن نناقض عقيدة أو مسلكا أو ثقافة أو قانونا لنطرح آخر بالحجج وبالبراهين المقنعة. ولكنها لا تعني أن ندجج عقولنا بالحقد ونخرج كل عاهاتنا وعنصرياتنا، ولا تعني أن نقتات من الفتات السام لهذه الزمرة الإرهابية.