خالد الفالح
* رئيس «أرامكو السعودية» وكبير إدارييها التنفيذيين
TT

إن كان جسده رحل فحلمه باقٍ يتحقق

ألمنا جميعا لرحيل فقيد الوطن، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يرحمه الله، الذي بفقده تكون بلادنا والأمتان العربية والإسلامية قد فقدت قائدا حكيما ورجلا مخلصا كرس حياته لخدمة شعبه وأمته ودينه والإنسانية جمعاء. فأسأل الله بمنه وكرمه أن يغدق عليه من رحمته ويجعل مثواه في عليين، وأن يجزيه خير الجزاء عن شعبه.
وكلنا نعلم أن المملكة حققت قفزات تنموية كبرى وغير مسبوقة في عهد الملك عبد الله، يرحمه الله. وما من شك في أن أعماله ومنجزاته الكبرى راسخة في وجدان مواطنيه الذين أخلصوا في حبهم له وامتنانهم لكل ما فعله من أجلهم.
وإذا تحدثت عن «أرامكو السعودية» في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، يرحمه الله الزاهر، فأستطيع القول إن الشركة حازت ثقته الغالية التي نعتز ونفتخر بها. وقد حظيت مشاريع الشركة العملاقة على الدوام بمتابعته ورعايته المباشرة لها. وأستطيع أن أقول إن مكانة «أرامكو السعودية» ترسخت في عهد الملك عبد الله، حيث واصلت دورها الحيوي في تهيئة اقتصاد المملكة لعصر تنافسي جديد مكّنها اليوم من أن تبقى المصدر العالمي الرئيسي والموثوق للطاقة.
وإذا كنا اليوم نودع هذا الرجل العظيم بقلوب ملؤها الحزن والأسى، فإننا نتذكر من ضمن رعايته ودعمه لمشروعات الشركة تدشين مشروعها الضخم، في حقل الشيبة في عمق الربع الخالي، الذي دشنه، يرحمه الله، في شهر مارس (آذار) عام 1999م. وبعدها توالت رعايته لعدد من المشروعات الصناعية العملاقة، مما عكس إيمانه العميق بضرورة دعم الصناعة النفطية وتوطين الأيدي العاملة وبناء اقتصاد متين، فجاء تدشينه بعدها بفترة قصيرة لمشروع تطوير مصفاة رأس تنورة، وهي إحدى أكبر المشاريع التكريرية على مستوى العالم، كما رعى مشروع خط أنابيب نقل المنتجات البترولية من المنطقة الشرقية إلى الرياض ومن ثم القصيم، ومشروع معمل الغاز في الحوية، وكذلك الأمر مع تدشين مشروع معمل الغاز في حرض، ومشروع معامل الإنتاج في القطيف وأبو سعفة. ثم توالت في عهده مشروعات الخير الصناعية العملاقة التي أضافت الملايين من البراميل إلى الطاقة الإنتاجية للمملكة من الزيت الخام، وكذلك المليارات من الأقدام المكعبة من الغاز الطبيعي.
وقد نفذت تلك المشاريع الصناعية العملاقة بأعلى المعايير الهندسية، وبنت أعدادا كبيرة من الكفاءات الوطنية في مراحل التخطيط والتصميم والتنفيذ والتشغيل، كما صنعت اقتصادا وطنيا قويا أهَّل المملكة لتكون عضوا في قائمة الدول العشرين ذات الاقتصادات الكبرى.
ولا يغيب عنا، في هذا المقام، أن نتذكر رؤيته الاستراتيجية تجاه الجيل الشاب في المملكة، فخلال تدشينه احتفالات الشركة التاريخية قبل سنوات، بمناسبة مرور 75 عاما على تأسيسها، أطلق حقبة وطنية جديدة تمثلت في دخول المملكة عصر الاقتصاد المعرفي، وذلك بوضعه حجر الأساس ومباركته لتأسيس مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، على بعد خطوات من بئر الخير، ليربط بذلك الماضي العريق بالمستقبل الاقتصادي الواعد، وهو المشروع الذي تشرفت «أرامكو السعودية» بتخطيطه وتصميمه وتنفيذه وإدارته.
كما تجسدت رؤيته في تأسيسه جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وإسناد بنائها وتشغيلها إلى «أرامكو السعودية» لتكون صرحا علميا جديدا يقدم الكوادر المؤهلة لتدير دفة الصناعة السعودية، وخاصة في قطاع الطاقة والبتروكيماويات والصناعات والنشاطات الاقتصادية الوطنية. وهناك مشروع استاد الملك عبد الله الرياضي الذي تشرفت الشركة بإنشائه في محافظة جدة، ومبادرات «أرامكو السعودية» الإثرائية للشباب وتطوير التعليم العام في المملكة، وهي برامج عكست شمولية اهتمامه، رحمه الله، وترجمت رؤيته تجاه أبنائه الشباب وتقديم الدعم المتكامل لهم وبناء أجيال قادرة على النهوض بطموحات الوطن في تحقيق الاقتصاد المعرفي.
وفي الحقيقة، لا يمكن الإحاطة بما لقيته «أرامكو السعودية»، كما هي باقي مؤسسات التنمية في المملكة، من اهتمام ودعم خادم الحرمين الشريفين، الذي كان والدا عطوفا رعى أبناءه موظفي الشركة بروح حانية.
ولا يسعني وزملائي من موظفي الشركة في هذا المصاب الجلل، سوى أن نتقدم بأحر التعازي وأخلصها وصادق المواساة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي ولي العهد، وإلى جميع أفراد الأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي الكريم في هذا المصاب الجلل، داعين المولى عز وجل أن يلهمهم الصبر والسلوان، وأن يحفظ لبلادنا قادتها الذين هم ذخر لنا بعد الله عز وجل، وأن يحميها من كل شر، وأن يسدد خطاها على دروب التقدم والرفعة والنماء.

* رئيس «أرامكو السعودية» وكبير إدارييها التنفيذيين