د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

متنافسان على رئاسة تونس

بقدر ما كان الدور الأول من الانتخابات الرئاسية في تونس صعب الفهم والتقدير والقراءة بسبب كثرة المترشحين وتفاوت الحظوظ، فإن الدور الثاني من الانتخابات يتميز بالتركيز على متنافسين اثنين هما السيد الباجي قائد السبسي رئيس حركة «نداء تونس»، الفائزة في الانتخابات التشريعية، المنعقدة في تاريخ 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والمترشح المستقل السيد محمد المنصف المرزوقي رئيس تونس المؤقت.
ولكن رغم هذا التركيز وخروج عدة مترشحين من لعبة سباق الرئاسة، فإن الوضع لا يزال غامضا، وليس سهلا بالمرة الركون إلى سيناريو واحد بثقة عالية، كما أن انحسار اللعبة بين الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي قد جعل الحملة الإعلامية شرسة وموظفة لأوراق ضد منطق الديمقراطية ودولة المواطنة.
فكيف يمكن تحديد نقاط قوة كل مترشح من هذين المتنافسين في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، التي ستجرى يوم 21 من الشهر الحالي؟
في البداية لا بد من التوضيح بأن الرأي العام السياسي في تونس كان يتوقع فوز قائد السبسي منذ الدور الأول وغلق ملف الرئاسة، غير أن صندوق الاقتراع فرض إجراء الدور الثاني معلنا عن سباق الثنائي اللدود الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي؛ ذلك أن العلاقة بينهما دائمة التوتر وزاد في توترها استشعار حركة «نداء تونس» بأن مجرد إمكانية فوز المرزوقي بالرئاسة ضربة موجعة لفوزها في الانتخابات التشريعية، وذلك باعتبار أنها ترفض العمل معه وما حصل بينهما من تلاسن ومشادات ودعاية مضادة لا تنفع معه حتى مقولة إنه لا توجد صداقات أو عداوات دائمة في السياسية.
إذن أولى نقاط قوة مرشح «نداء تونس» أن حركته فائزة بأغلبية مقاعد مجلس النواب، وهو فوز يعكس مصداقية شعبية واضحة.
من جهة ثانية، إذا وضعنا في الاعتبار الثقل الرمزي لشخصية رئيس الحركة السيد السبسي وأن فوز الحركة يعود إلى رمزيته أولا وأساسا، فإن حظوظ الرجل تصبح مضاعفة؛ فالتونسيون ميالون في أغلبيتهم إلى من يبني على مشروع الدولة الوطنية الحديثة. ولقد عرف السبسي من أين تؤكل الكتف ونجح إلى حد الآن في استثمار رمزية شخصية بورقيبة ومشروعه ومكاسبه وأيضا حنين فئات واسعة من التونسيين لكاريزما بورقيبة ومفهوم هيبة الدولة.
هناك نقطة أخرى يمكن أن تقوّي من حظوظ السبسي، تتمثل في موقف حركة «النهضة» حيث يمكن اعتبار حياد الحركة وعدم تبنيها لترشح المنصف المرزوقي بمثابة الدعم غير المباشر للسبسي، وهو أقصى ما يمكن أن تقوم به حركة «النهضة» في ظل ضغط قواعدها والتباين القوي بين مواقف أعضاء مجلس الشورى، أي أن عدم تقوية منافس الباجي قائد السبسي يمثل تقوية للسبسي نفسه.
أيضا لا ننسى أن الكثير ممن خرجوا من سباق الدور الأول للانتخابات الرئاسية قد اصطفوا وراء السبسي إلى جانب دعم أحزاب «آفاق» و«الوطني الحر» و«المسار الديمقراطي» وغيرها لفائدته، دون أن تفوتنا الإشارة إلى أن مساندة غالبية رجال الأعمال للسبسي وتحركهم المتعدد الاتجاهات من أجل فوزه بالرئاسة، وذلك لما يمثله بالنسبة إليهم من رسالة استقرار ودعم أوروبي لتونس الحديثة، إنما يشكل أيضا مصدر قوة.
بيت القصيد هو أن الباجي قائد السبسي استطاع في فترة ما بعد الدور الرئاسي الأول فتح نوافذ سياسية جديدة تزيد في حجم قاعدته الشعبية.
أما بالنسبة إلى المرشح المستقل المنصف المرزوقي فهو يمتلك أيضا بعض الحظوظ، ما يجعل منه منافسا جادا للسبسي.
ومشكلة المرزوقي أنه حسب قراءة الكثير قد وظف كل المخزون الشعبي الذي يمكن أن يتحصل عليه. وهناك من يعتبر أن ما ساعد المرزوقي على الوصول إلى الدور الثاني وظهوره كمنافس للسبسي، رغم أن كل التوقعات كانت تشير إلى أنه لن تكون هناك حاجة إلى دور ثان، هو أن قرابة 50 في المائة من قواعد «النهضة» صوتت لصالح المرزوقي. بمعنى آخر، إن رصيد المرزوقي يتألف في غالبيته من رافضي السبسي وحركته ومن الخائفين من تركز سلطتي الرئاسة والتشريع في يد حزب واحد، وهو ما تم التعبير عنه في الخطابين السياسي والإعلامي التونسيين بالتغول السياسي.
ورغم أن أداء المرزوقي خلال السنوات الأخيرة لم يكن محل استحسان، فإنه بحكم توظيف ورقة الانتماء الجهوي استطاع أن يستميل جهتي الجنوب والوسط التونسيين، علاوة على استثماره لتاريخه الحقوقي. كما أن تشنج الباجي قائد السبسي في لحظات معينة من حملته الانتخابية إلى درجة أن صدرت عنه زلات لسان، يمكن أن تصب في رصيد المرزوقي.
إذن كلا المتنافسين على رئاسة تونس له نقاط قوة، ومع ذلك فإن الواضح هو أن فوز المرزوقي سيشكل مفاجأة، خلافا لقائد السبسي، لأن هذا الأخير يحظى بدعم سياسي واقتصادي أكثر.