محمد مصطفى أبو شامة
كاتب وصحافي مصري
TT

فطيرة زعتر.. وفلافل قطرية

أعشق المطبخ اللبناني، والأكل اللبناني، والحلويات اللبنانية، والأركيلة (الشيشة) اللبنانية، والخدمة اللبنانية، وإذا وُجدت في أي دولة في العالم - خاصة في السعودية والخليج - تسوقني معدتي للمطاعم اللبنانية، ورغم أني أذوب عشقا في الهوا اللبناني، فإن من اختطفت قلبي - ذات مرة - كانت فلسطينية، وكتبت قصتها وقصتنا شعرا في ديواني الثاني «حدوتة بنت اسمها.. فلسطين»، وزينت غلافه بواحدة من أبدع ما رسم فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، رحمه الله، ورحمنا من «الحب وسنينه».
ذات مرة، مع تلك المعشوقة الفلسطينية، خبّرتها بجوعي وكنا نتبادل الوصل هاتفيا عبر الهاتف الأرضي، قبل أن يخترعوا «الجوال» بسنوات، وحكت لي عن «شي» سهل يمكنني أن أجهزه بسهولة، تذكرته اليوم عندما اشتد بي الجوع أيضا، وأخرجت قائمة الطعام الخاصة بأقرب مطعم لمقر عملي، ووقعت عيني على «فطيرة الزعتر»، تذكرتها - الفطيرة طبعا - فقد كانت لها قصة حلوة، بمذاق أول لقاء لي معها، فقد كانت هذه الفطيرة العجيبة.. عميقة الأثر والتأثير.
وقتها، لم تفلح محاولاتي المنزلية في صنع «فطيرة الزعتر»، وعندما أخبرت محبوبتي الفلسطينية بذلك، فاجأتني في أول لقاء ومنحتني كيسا ورقيا كبيرا ممتلئا بفطائر الزعتر، وكانت أغلى هدية تلقيتها في حياتي، فقد كانت بحق فطيرة بطعم الجنة، هكذا كان شعوري بها في ذلك الوقت، وربما إلى اليوم.
وكان يصاحبني وأنا هائم في عشق «فطيرتي»، رائعة قيثارة الغناء العربي السيدة نجاة «قصص الحب الجميلة»، التي كتبها عمدة شعراء العامية المصرية، الخال عبد الرحمن الأبنودي، والتي تقول كلماتها:
قصص الحب الجميلة.. أكيد ناقصها قصة
وبين كل الأغاني.. غنوة حب ناقصة
عارفة وما تقولش أنت.. إني أنا وأنت..
إحنا الغنوة اللي ناقصة
وهانبقى أحلى غنوة.. في قصص الحب الجميلة.
الحب يجعل الدنيا حلوة، أبسط الأشياء تسعدك، الحب هو البوابة الصادقة للزهد، والمفتاح السحري الذي يفتح كل الأبواب الموصدة أمامك، الحب الصادق، الناضج، الحقيقي، المنزه عن المطامع، يسحبك على بساطه للعلا، تتجلى في رحاب الوهج النوراني، أسيرا لسحر المحبة. هل تصدق أن هذا كان شعوري مع فطيرة الزعتر؟
طبعا لن تصدق، وربما وصفتني بالجنون، وربما كان معك حق، لكن هذا هو حال العاشقين، مهما تبدل زمانهم، لهم فيما يعشقون.. فنون!
حاولت كثيرا طوال سنوات عمري أن أنسى هذه الفطيرة المسحورة، وبذلت جهدي مع كل المطابخ العربية، مع المحشي المصري، والكبسة السعودي، والمقلوبة الأردنية، والكسكس المغربي، وبجانب كل «طبق» منها ما لذ وطاب من لحوم ودجاج وحمام، أعجبتني كلها والتهمت منها أطباقا، لكنها لم تستحوذ أبدا على قلبي، ربما لأني أصلا عاشق للمقبلات وأجدها أكثر قربا إلى شخصيتي، لذلك تجدني أحن أكثر لـ«الفتوش» اللبناني، و«المسقعة» المصرية، و«الويكا» السودانية، و«الفلافل» ومنها القطري طبعا.
اشتد بي الجوع، فانتبهت لقائمة الطعام في يدي، قلبت فيها واكتشفت أنها لمطعم سوري شهير، فاتصلت على الفور، وبعدما طلبت «الشاورمة» و«سلطة الحمص»، «والذي منه»، سألت عن معشوقتي «فطيرة الزعتر»، فأخبرني البائع.. أنها «خلصت». أصابتني إجابته بإحباط شديد، وساد بيننا الصمت لحظات، قطعه بسؤاله إن كان لي طلب آخر، فانتبهت وسألته: «عندكم فلافل قطري؟». انفجر الرجل ضاحكا، ورد مازحا: «ع النار بنسوّيها».