جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

سياحة الانتحار!

عندما تحجز تذكرة «ذهابا» فقط، فهذا لا يعني أن رحلتك بهدف السياحة، لأن مفهوم الرحلة السياحية يرتكز على فكرة واحدة، هي حجز تذكرة سفر للذهاب إلى الوجهة السياحية المختارة وأخرى للعودة إلى الدولة التي تسكن فيها.
ولكن اكتشفنا أخيرا أن هناك نوعا جديدا من السياحة لا يحتاج فيه المسافر إلى أكثر من تذكرة سفر «ذهابا» فقط، يُعرف باسم «سياحة الانتحار»!
التسمية فيها الكثير من التشاؤم، وتطرح الكثير من الأسئلة؛ فإذا كانت هذه التسمية جديدة على مسمعك، فقد تكون سمعتَ بمصطلح «الموت الرحيم»، الذي يختاره مرضى محكوم عليهم بالشلل الدائم أو بأمراض مستعصية يستحيل شفاؤهم منها. والموت الرحيم حل جذري، ولكنه لطالما كان مثارا للجدل، ويعرف باللغة الأجنبية باسم أوتانازيا (Euthanasia).
أذكر وأنا على مقاعد الدراسة الجامعية عندما تجابهت مع مدرسة اللغة الفرنسية بسبب هذا الموضوع، إذ تعارضت حينئذ مع رأيها المعادي لفكرة «الموت الرحيم» الذي يسمح للمريض بإنهاء حياته في حال لم يكن هناك شفاء لمرضه، وأذكر تماما كيف وقفت لأشرح وجهة نظري، وحينها كان مفهوم «الموت الرحيم» أشبه بالمحظورات أو التابوهات، ولم يسمع به كثيرون لأنه ولغاية اليوم ممنوع في معظم الدول، باستثناء قلة قليلة، أشهرها سويسرا، التي تستقبل المرضى في عياداتها مثل «ديغنتاس»، وشعارها «تو داي ويز ديغنيتي»، ويعني «لتمُت بكرامة».
في الآونة الأخيرة، تضاعف عدد المرضى الباحثين عن وضع حد لحياتهم في تلك العيادات، وانتحر 611 مريضا ما بين عامي 2008 و2011. وتتراوح أعمار المنتحرين ما بين 23 و97 عاما، هذه الأرقام محزنة، ولكن في الوقت نفسه من المحزن أيضا تبسيط هذه المسألة، وتحويل اسمها من «الموت الرحيم» إلى «سياحة الانتحار»؛ فكلمة سياحة تضفي نوعا من الفرح والغبطة في النفوس، وتراها دائما مرتبطة بالأماكن الجميلة والاكتشاف والرحلات والمأكولات اللذيذة.. ولكن عندما تُربط بالانتحار، يكون وقعها صعبا على النفس.
في تقرير نُشر أخيرا بعنوان «تزايد الإقبال على سياحة الانتحار»، سألت نفسي: كيف يمكن أن تكون السياحة مرتبطة بالنهاية البشعة والموت وتذكرة سفر باتجاه واحد؟ خاصة أن تلك العيادات تؤمّن تأشيرات السفر للمرضى والإقامة إلى أن تجري عملية إنهاء الحياة التي غالبا ما تكون عن طريقة استنشاق غاز «الهيليوم» أو ابتلاع «الصوديوم»، كما تتولى العيادة عملية التخلص من الجثة، بحسب رغبة المريض وبالطريقة التي يقررها قبل موته.
كما قلت آنفا، أنا لست ضد «الموت الرحيم»، ولكني ضد تسميته بـ«سياحة الانتحار»، لأنه ليس فيه أي نوع من الفرح، لا سيما لأقارب المريض، فهذه الطريقة تنهي أوجاع المريض، ولكنها توجع كل من هم من حوله من أقارب وأصدقاء، ولهذا السبب لا أعتقد بأن ربط الموت بالسياحة رحيم.