زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

تمثال نفرتيتي مزيف

«أتت الجميلة» هو معنى اسم الملكة نفرتيتي؛ وهي التي تزوجت من الملك أخناتون الذي أبطل عبادة آلهة متعددة ودعا لعبادة الإله الواحد. وهناك من الأدلة الأثرية ما يشير إلى أن نفرتيتي إما أن تكون قد حكمت مصر بمشاركة زوجها لفترة قصيرة من الوقت؛ أو أن تكون قد حكمت بمفردها بعد وفاة زوجها.. أما المفاجأة فهي أن بعض علماء الآثار قالوا إن الرأس الرائع المنحوت من الحجر الجيري للملكة نفرتيتي والموجود الآن بالمتحف الجديد ببرلين مزيف وليس أصليا، وخرج رأيان في هذا الشأن: الأول يقول إن لودفيج بورخارد – العالم الألماني الذي عثر على الرأس بتل العمارنة سنة 1912 - ظل محتفظا بالرأس سرا في منزله طيلة 11 عاما قبل أن يسلمه لمتحف برلين؛ وعندما أعلن أنه قدم رأس نفرتيتي إلي المتحف كان في الواقع يقدم نسخة مقلدة بإتقان للرأس الحقيقي والذي بالتالي لا يعرف مصيره إلى الآن. والأغرب من ذلك أن المؤرخ الفني السويسري هنري ستيرلين يرفض أساسا فكرة وجود رأس حقيقي ويقول، إن لودفيج بورخارد استأجر نحاتا لكي يصنع له هذا الرأس الذي لا يوجد له مثيل في فن النحت سواء قديما أو حديثا.
لقد ألف ستيرلين كتابا بعنوان «رأس نفرتيتي – خديعة علم المصريات»؛ وفيه سرد لظروف ما يقال عن الكشف عن الرأس أثناء حفائر الألمان بتل العمارنة – مدينة أخناتون - وكيف خرج من مصر وما فعله بورخارد، وانتهى إلى أن هناك لغزا كبيرا لم يحل في قضية رأس نفرتيتي، وادعى أن بورخارد عندما قدم الرأس إلى أمير بروسيا القديمة «يوهان جورج» أعجب به وبسحره ولم يمتلك بورخارد الشجاعة ليقول له إنه رأس مزيف وادعى أنه رأس حقيقي لكي لا يظهر أمير بروسيا بمظهر الجاهل في الفنون القديمة. ويزيد ستيرلين أنه من المؤكد أن الفراعنة لن يصنعوا تمثالا للملكة نفرتيتي بعين واحدة؛ وأن ذلك لم يكن من عادة الفراعنة! الأمر الذي يؤكد من وجهة نظره أن رأس نفرتيتي ما هو سوى أكذوبة.
ويدعي الكاتب الألماني إدروجان إيريكفان في كتابه «الحلقة المفقودة في الآثار» أن الرأس مزيف نحته فنان كتقليد لزوجة بورخارد! ليس هذا فقط بل إن صحافية فرنسية تدعى «كات كونللي» قامت بتحقيق مطول انتهت فيه إلى أن رأس نفرتيتي مزيف؛ وأن إعجاب أدولف هتلر بالرأس أثناء زيارته لمتحف برلين؛ وقوله عنها: «تحفة فريدة.. كنز حقيقي» وإلغاؤه موافقته السابقة لعودة الرأس إلى مصر، هو ما أدى لشهرة الرأس واعتباره عملا فنيا أصيلا من أعمال الحضارة المصرية القديمة من وجهة نظر الصحافية.
أما عن الرأي الثاني، ويضم معظم علماء الآثار والمتخصصين في الفنون القديمة، بل والمتخصصين في فن العمارنة فيقول إن الرأس عمل فني أصيل من أعمال الحضارة المصرية.. كشف عنه بورخارد في حفائره ووصفه في دفتر يومياته يوم الكشف عنه بقوله: «فجأة وجدنا بين أيدينا أكثر القطع الفنية المصرية حيوية.. فلا يمكن وصفه بالكلمات.. يجب أن تراه». ولقد أجرى متحف برلين مسحا بالأشعة للرأس وأثبت أنه من الحجر الجيري المصري وعمره ثلاثة آلاف سنة وعليه طبقة رقيقة من الجص والألوان البديعة لملامح الوجه والتاج.
بالطبع رأس نفرتيتي أصلي ومصري 100%؛ فلقد كشفنا في أرشيف العالم الألماني بورخارد والذي لا يزال في حوزة وزارة الآثار المصرية عن صور الكشف عن رأس نفرتيتي وأولى اللقطات التي أخذت لأجمل رأس لملكة من التاريخ القديم.. ستظل نفرتيتي تبتسم للألمان لكن يوم أن تعود الجميلة إلى مصر سيبتسم كل المصريين.