جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

أعضاء برسم البيع!

استطاع لبنان في السنوات الأخيرة أن يحتل مرتبة عالمية بارزة في مجال الطب، وبالأخص في مجال الطب التجميلي، لتصبح بيروت عاصمة «سيليكون» بامتياز، يأتيها الباحث عن الجمال والتجميل، وكل من يرغب بأنف نانسي عجرم وخدود هيفاء وهبي وابتسامة نجوى كرم، ولكن من المؤسف أن يتحول لبنان إلى بلد توجه إليه الأنظار كونه مركزا لبيع الأعضاء، وسرقتها في بعض الأحيان، في ظل ظروف قاسية يعاني منها اللاجئون السوريون في المخيمات المنتشرة على الحدود اللبنانية.
في مقال نشرته «دير شبيغل» الألمانية الشهر الماضي، وأُعيد نشره على مواقع التواصل الاجتماعي أخيرا، تبين أن هناك عصابة منظمة على رأسها رجل يدعى «أبو حسين» الملقب بـ«الرجل الكبير»، ومهمة هذا الرجل «العظيم» هي العناية بالسوريين المقهورين والمهجرين، وعناية أبو حسين هنا تأتي في مفهوم تطبيق جرائم ضد الإنسانية بموافقة الأشخاص المغلوبين على أمرهم الذين يوافقون على إجراء عمليات استئصال للكلى وأعضاء أخرى من أجسادهم لقاء مبالغ مادية طائلة بالنسبة لهم، إذ تباع في السوق السوداء حاليا الكلية بـ670 دولارا أميركيا، وبالطبع يكون للرجل الكبير حصة الأسد من هذا المبلغ. وبحسب تقرير «دير شبيغل» فإن الإقبال على بيع الأعضاء في السوق السوداء أكبر من الإقبال على الشراء.
وفي تقرير المجلة الألمانية الأسبوعية، أجرى الصحافي مقابلة مع لاجئ سوري باع كليته، والمؤسف في كلامه أنه لا يندم على فعلته على الرغم من الأوجاع التي عاناها، خصوصا أن العملية أجريت في ظروف طبية معقدة وتنعدم فيها الاجواء النظيفة الملائمة لهكذا عمليات خطيرة، وقال إنه لا يندم أبدا لأنه حصل على مبلغ حوالى أربعة آلاف دولار أميركي وهذه ثروة بالنسبة له ولعائلته.
تفاصيل كثيرة أخرى تضمنها التقرير، عن كيفية انعقاد الصفقة من البداية إلى النهاية، إلى الأماكن التي تستقبل هذا النوع من الإجرام ضد الإنسانية، والمؤسف أن هذه الجرائم تجري رغم أنف الدولة، ولا يأبه أحد للتدخل، أو على الأقل التحقق من تفاصيل التقرير المثيرة للريبة والقشعريرة.
ما لا يعرفه هؤلاء المساكين، الذين سلموا أجسادهم إلى مبضع مجرم لإنقاذ عائلاتهم من الهلاك ولم يفكروا بعواقب فعلتهم، ان هذه العمليات تحتم إجراء فحوصات دورية مدى الحياة، ولكن في حالتهم لا حياة لم تنادي. انهم لا يفكرون إلا في المال الذي يحصلون عليه وقتيا.
المؤسف هو أن لبنان وكما ذكرت في المقدمة، بلد الجمال والطب التجميلي، وها هو اليوم بحاجة ماسة إلى عملية تجميل له، بعدما تحول إلى مريض مصاب بداء غض الطرف عن مأساة حقيقية (في حال كانت تفاصيل تقرير دير شبيغل محقة وحقيقية).
وللأسف لم يعد هناك فرق ما بين حقن الشفاه أو حقن الضمير بمادة مؤدية إلى الشلل، وفي هذه الحالة لا يسعني القول إلا: «رحم الله تلك الأيام التي كان فيها لبنان وجهة البوتوكس».. فهذا أرحم.