علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

بين غزة وليبيا والموصل.. ضاعت سوريا

ظاهرة تنافس الأزمات لم تتوقف في المنطقة منذ عام 2011، بل على العكس ازدادت إلى درجة تتبدل فيها اهتمامات العالم من أسبوع إلى آخر، تقفز واحدة إلى صدارة الأخبار لتتراجع الأخرى قليلا، دون أن يعني ذلك أنها هدأت أو استقرت، المسألة هي فقط كما يبدو أن العالم لا يستطيع أن يكثف تركيزه على أكثر من أزمة في وقت واحد.
في الصدارة الآن، بعد غياب لفترة، غزة وحربها الثالثة التي لا زالت تتعثر الجهود في إيجاد حل يتيح ترتيبات اتفاق وقف لإطلاق النار، لكن في الوقت نفسه نشهد أزمة أخطر كانت تتفاعل منذ فترة ووصلت إلى ذروة خطيرة دفعت الدول إلى إجلاء دبلوماسييها ورعاياها، ويمكن أن توصف على أنها ملامح انهيار دولة أصبحت الميليشيات المسلحة لها اليد الطولى بينما الحكومة لا حول ولا قوة لها، لدرجة أن رئيسها منع من السفر بأمر الميليشيات التي تتصارع الآن في طرابلس بعنف عبثي يدفع ثمنه الليبيون العاديون.
الموصل وإقليم الأنبار نموذج آخر على تفكك دولة لم تعد تملك السيادة على جزء من أراضيها وذلك بعد سنوات من سياسات ساعدت على تقوية الطائفية والانقسام المجتمعي، إلى درجة أصبح فيها شبه تسليم بأن المستقبل هو التفكيك والتقسيم رغم أن الجميع يعرف أن الثمن سيكون فادحا، لكن لا أحد لديه حلول.
سوريا أصبحت في الظل وخارج الاهتمام الدولي نسبيا، رغم أن المعارك ونزيف الدم لم يتوقفا على الأرض، وعلى العكس قد تكون أكثر عنفا واشتعالا من السابق، وأيضا ملامح التفكيك تطل على الخريطة مع فقدان السيادة على جزء كبير من الأراضي، وهي لا زالت أخطر أزمات المنطقة مع ما يشكله استمرار الوضع الحالي من مخاطر على الأمن الإقليمي وإيجاد المناخ الذي يشجع تنظيمات التطرف مثل «داعش» التي لا يوجد في أدبياتها أو أجندتها شعارات الحرية والعدالة التي كانت السبب الأصلي في الانتفاضة السورية قبل أن تتحول إلى صراع مسلح، نجح النظام في صبغه طائفيا.
والقاسم المشترك لهذه الأزمات هو حجم المعاناة الإنسانية، بينما تتصارع القوى التي تملك السلاح على الأرض، وتتحول الأزمات إلى ملفات صراع دولي وإقليمي، بينما الناس يدفعون ثمنا فادحا وصوتهم ليس مسموعا بوضوح، يحدث ذلك في غزة كما هو في ليبيا، والعراق وسوريا التي يمكن مقارنة حجم النزوح واللجوء منها في مخيمات بما حدث للفلسطينيين في الحروب المختلفة مع وجود ملايين اللاجئين في لبنان وتركيا والأردن بخلاف النازحين في الداخل.
مشاهد الصور والدمار لم تعد تفرق كثيرا بين غزة وسوريا والعراق وليبيا، فتقريبا هي نفسها.. منشآت مدمرة ودخان ونار، ومسلحون معجبون بأنفسهم يتجولون بين الخراب. وكلها شهدت مؤتمرات دولية وخصص لها مبعوثون لم يفعلوا شيئا، ويخشى أن نشهد في المستقبل مؤتمرا دوليا لحل أزمة المنطقة كلها إذا استمر التدهور والصراعات بهذا الشكل العبثي.
في السياسة هناك شيء يسمى تقليص الخسائر، إذا لم تظهر في الأفق أي مكاسب، ولا أحد يستطيع أن يجادل في أن شعوب المنطقة خسرت كثيرا في السنوات الأخيرة، بعضها انتفض أو ثار رغبة في تحسين أوضاعه، فوجد نفسه يخسر القليل الذي كان يتمتع به ليسكن الآن في خيمة على الحدود.
مفهوم أن التنظيمات المتطرفة التي وجدت ساحة لتنفذ منها لا تكترث بالناس، فأهدافها وآيديولوجيتها عدمية، لكن المسؤولية الأكبر تقع على الأطراف الرئيسة للصراع فسيكون محزنا أن لا نرى شيئا - بعد أن يسكت صوت المدافع - سوى أطلال.