جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

ليس كل من جلس بقربي أصبح صديقي

السفر مثل «الادرينالين» يجعل قلبك يخفق بسرعة أكبر، وجسمك يعيش حالة من الكر والفر. لذا نرى كثيرا من المسافرين الجدد، والقليل من المسافرين القدامى، يعيشون حالة من الانشراح الزائد منذ أن تطأ أقدامهم متن الطائرة، ولكن وما يجهلونه هو أنه ليس كل المسافرين في حالة من الانشراح، وليسوا جميعهم في طريقهم إلى عطلة صيفية طال انتظارها، إنما هم رجال أعمال يستغلون الوقت في الجلوس في مقعد الطائرة لكتابة الرسائل والتحضير للاجتماعات المقبلة.
لا عيبَ في التعبيرعن الفرح والسعادة، ولكن ليس على حساب جارك المسافر، فبمجرد جلوسه في المعقد قربك، فهذا لا يعني بأنه سيصبح صديق العمر، فلغة الجسد مهمة جدا هنا، فعندما تشعر بأن جارك المسافر لم يرمقك بنظرة، وتحاشى النظر في عينيك، افهم بأنه لا ينوي التكلم معك، ولا حتى الاستماع إلى تفاصيل حياتك، ولو أنك تظن بأنك مفعم بالمعرفة والفكاهة، فقد يكون جارك مرهقا ومن المسافرين الدائمين، وتعب من التكلم مع الغرباء، نعم أنت غريب، فوجودك في نفس المقصورة ولو لساعات طويلة، لا يعني بأنكما ستصبحان صديقين.
في الولات المتحدة أجريت دراسة حول ثقافة العزلة الاجتماعية في الأماكن العامة، وترجمتها بلغة مبسطة «كيف تتحاشى التكلم إلى الذين يجلسون بقربك في الطائرة أو القطار.. ؟» وجاء على رأس النصائح عدم النظر في عين جارك المسافر، وعدم إلقاء التحية، وإذا كنت تجلس بالقرب من الشباك، انظر إلى الخارج أو ضع في أذنيك سماعات أو تظاهر بأنك نائم.
هل فهمت الفكرة؟ أرجو ذلك، أنا لست مع الدراسة مائة بالمائة، لأن الأدبيات الاجتماعية لا بد بأن تكون موجودة على الأرض، وفي الجو وفي أي مكان، ولكن هذا لا يعني بأن مجرد سلام من جارك المسافر، سوف يؤدي به إلى الاستماع إلى أخبارك وخبرتك في الحياة طيلة الرحلة، كما أن بعض المسافرين يبحثون عن الراحة في الأجواء لمشاهدة فيلم أو قراءة كتاب، أو ببساطة للغط في نوم عميق أو الاستماع للموسيقى أو الكتابة.
ولكن هذا لا يعني بأن تكون عابسا ومتنكرا لجارك، يكفي بأن تبتسم وتدير وجهك، وإلا فسوف تعلق في حديث طويل لا تدري إلى أين سوف يوصلك.
في كتاب قرأته أخيرا لكارول تشاندلر تحت عنوان «أتكلم إلى الغرباء.. هنا، هناك، وفي كل مكان»، تشرح فيه كيف أن محادثاتها العشوائية مع الغرباء غيّرت حياتها في بعض الأحيان، وشدّدت على أنه من الجميل جدا مشاركة الآخرين معرفتنا، وترى المؤلفة بأن الشخص يمكنه تغيير طريقة رد الآخرين عليه، من خلال تعاطيه معهم وأسلوبه في التكلم، وترى أيضا بأن محادتثها مع الغرباء أغنت معرفتها، وجعلتها تبدأ في كتابة كتاب جديد.
صحيح أن التواصل الاجتماعي يجعل شخصيتك أكثر ثراء، ولكن هذا لا يعني أن تقرر بأن تغذي شخصيتك على حساب مسافر مرهق، أو يمر بحالة نفسية لا يحسد عليها.
اعتمد دائما على المنطق، لأنك لست بحاجة إلى الدراسات ولا الكتب لمعرفة أين ومتى وإلى من تتكلم.
فقط تذكر أنه ليس كل من جلس قربك أصبح صديقك.