جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

حقائب العرب!

لم أذهب إلى المطار لاستقبال أحد أقربائي أو أصدقائي القادمين من لبنان وأقاصي الدنيا منذ وقت طويل، فلم تعد عادة الذهاب والانتظار في المطار من خصالي، بسبب الانشغال والعمل وضيق الوقت، إلا أن مجيء شقيقتي إلى لندن لفترة قصيرة، جعلني ألغي كل ما لدي لاستقبالها في مطار هيثرو، وفي الوقت الذي كنت انتظر خروجها، استغليت فرصة مراقبة السياح وأهالي البلد القادمين إلى لندن، وبعد حوالي عشرين دقيقة من الانتظار، ومراقبة مئات المسافرين والتمعن في هندامهم، بعضهم ينتعل حذاء مفتوحا لأنه يأتي من بلاد مشمسة، نسي أن يتفقد أحوال الطقس في لندن الآتي إليها، والبعض الآخر يرتدي معطفا من الفرو الحقيقي، الذي يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم بشكل غير صحي حتى في أعالي جبال الألب. كل هذا ولم يكن هناك أثر بعد لأي مسافر آت من منطقتنا، ولكن لم تمض لحظات، حتى رأيت حقيبة سفر ضخمة علقت في باب الخروج الالكتروني. استوقفني المشهد، ولم تمر لحظة حتى تكرر المشهد، وبدأت الحقائب تخرج بمقاسات غير طبيعية، ترافقها حقائب أخرى صغيرة، وأكياس فيها بضائع من المنطقة الحرة، ويا للمفاجأة! هؤلاء المسافرون هم من منطقتنا العربية، فلم أحتاج إلى طرح السؤال على أحد المسافرين لمعرفة الوجهة التي أتوا منها، لمعرفة ما إذا كان خروج شقيقتي قريبا، والسؤال الذي ورد إلى ذهني في تلك اللحظة هو: لماذا يسافر العرب بحقائب سفر عملاقة؟ وفي الكثير من الأحيان تراهم يناقشون العاملين في الخطوط الجوية، ويحتجون على دفع مبالغ إضافية مقابل الوزن الزائد، غير آبهين بالقانون المحدد في أوروبا تحديدا، الذي يمنع الوزن الزائد للحقيبة، خوفا على صحة وظهر موظف حمل الحقائب المسكين.
الأمر الذي يصعب عليّ فهمه، هو لماذا يسافر العرب بحقائب كبيرة وحاجيات كثيرة؟ أراهن على أنهم لم يستعملوا نصفها خلال رحلتهم، بالإضافة إلى أنهم يقصدون البلدان التي تشتهر بالتسوق، فما هي فائدة حمل حقيبة مليئة بالحاجيات والملابس؟ كما أنهم يقعون دائما في الخطأ عندما يختارون تلك الحقيبة المهيبة، التي من شأنها أن تخيف العتال وموظف الطيران بل حتى الطائرة، وفي طريق العودة، تبدأ القصة من جديد، وزن زائد، إجراء اتصالات لتشغيل «الواسطة» على الطريقة العربية، لتمرير الحمولة الزائدة، وطابور يمتد إلى باب المطار الخارجي، مشهد لا تراه إلا حول مكاتب خطوطنا العربية.
وبعد الانتظار، وتأهبا لحقيبة شقيقتي التي تعشق التسوق في لندن، بدأت دقات قلبي تتسارع، تحسبا لمشهد مماثل، ولكن ولحسن حظي، أطلت شقيقتي وهي تجر وراءها حقيبة سفر أشبه بحقائب «المسافرين الأوروبيين» فلم أصدق عيني، فلاحظت دهشتي وقالت: «أتيت بحقيبة صغيرة، لأني أعرف أن صندوق سيارتك السبورت لن يتسع لأخرى أكبر، ولكن لا تخافي سأشتري واحدة ثانية إضافية في طريق العودة، وسأستقل سيارة أجرة».