د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

الأطباء الأعلى طلباً للفحوصات المكلفة مادياً

خلال السنوات القليلة الماضية، وبسبب ارتفاع التكاليف المادية لمعالجة الأمراض وانتشار فرص التأمين الطبي لتغطية تكاليف معالجة المرضى، انتشر لدى الأوساط الطبيبة تقسيم للأطباء بين «أطباء منفقين بدرجة أعلى» Higher - Spending Physicians، وذلك إما لكثرة طلب إجراء الفحوصات الطبية للمريض، أو في طلب إجراء فحوصات طبية للمريض ذات كُلفة مادية أعلى. وبالمقابل لهؤلاء لأطباء المنفقين بشكل عالٍ، هناك «أطباء منفقين بدرجة منخفضة» Lower - Spending Physicians في كُلفة عمليات ومتطلبات معالجتهم لمرضاهم. ولأن كل فريق منهم يرى أنه يُقدم خدمة علاجية أفضل للمريض، وفق رؤيته لمدى ضرورة أو عدم ضرورة، طلب تلك الفحوصات المُكلفة مادياً أو القيام بالإجراءات العلاجية الباهظة الثمن، فإن أوساط المرضى وأوساط الأطباء بحاجة إلى مقارنة في نتائج كل طريق مدعومة بمؤشرات أداء KPI لمخرجات علاج المريض Patient Outcomes يُمكن قياسها ومتابعتها.
الباحثون من جامعة هارفارد جعلوا هذا الأمر موضوع دراستهم الطبية الحديثة والمنشورة ضمن عدد 20 مارس (آذار) الحالي لمجلة «جاما للطب الباطني» JAMA Internal Medicine.. ولذا حدد الباحثون السؤال الذي يودون أن تجيب عنه نتائج دراستهم، وقالوا: «السؤال: ما مدى تفاوت إنفاق الأطباء في تقديم الرعاية الطبية داخل المستشفى نفسها، وهل يُحقق الأطباء الأعلى إنفاقاً نتائج أفضل في معالجة المرضى؟». وحول مدى الحاجة إلى مثل هذه الدراسة وأهميتها قال الباحثون: «الأهمية هي أن في حين أن التفاوت الكبير في إنفاق الرعاية الصحية بين المناطق والمستشفيات معروف جيداً، فإن القرارات الإكلينيكية الرئيسية في نهاية المطاف هي التي يقوم بها الأطباء. ومع ذلك فإن درجة التفاوت في الإنفاق بين الأطباء غير معروفة، وكذلك من غير المعروف العواقب الإكلينيكية لدرجة التفاوت في الإنفاق تلك».
ولتحديد مقدار التفاوت والاختلاف بين إنفاق الأطباء بالعموم بين المستشفيات المختلفة، شمل الباحثون في دراستهم نحو 500 ألف مريض تمت معالجتهم من قبل نحو 22 ألف طبيب في نحو 2850 مستشفى بالولايات المتحدة. ولتحديد مقدار التفاوت بين إنفاق أطباء الباطنية بالذات دون غيرهم من أطباء التخصصات الطبية الأخرى، شمل الباحثون نحو 840 ألف مريض تمت معالجتهم بنحو 50 ألف طبيب باطنية في نحو 3200 مستشفى بالولايات المتحدة.
وورد في بداية الرسالة الإخبارية حول هذه الدراسة الطبية على موقع المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة: «ارتفاع الإنفاق من قبل الأطباء لا يعني شراء صحة أفضل، لا فرق بين مخرجات علاج المرضى حينما يطلب الطبيب فحوصات أكثر أو فحوصات أغلى كلفة مادية، وفقط لأن الطبيب الخاص بك يطلب فحوصات أو إجراءات علاجية أكثر أو أغلى كلفة مادية حينما تكون في المستشفى لا يعني هذا أنك تحصل على رعاية أفضل، هذا ما وجدته دراسة جديدة».
ونظر الباحثون في عنصرين يُعتبران من مؤشرات الأداء القوية في تقييم جدوى المعالجة الطبية للمرضى الذين تم إدخالهم إلى المستشفى، الأول: معدل الحاجة إلى عودة الدخول إلى المستشفى خلال الثلاثين يوماً التالية لخروج المريض منه 30 Days Readmission Rate، والثاني: معدل الوفيات خلال الثلاثين يوماً التالية لخروج المريض من المستشفى 30 Days Death Rate. ومعلوم طبياً أن ارتفاع أو انخفاض كل من معدل العودة إلى دخول المستشفى أو معدل الوفاة خلال الثلاثين يوماً التالية للخروج من المستشفى هما ذا علاقة وثيقة بتقييم مدى كفاءة وجودة الرعاية الطبية التي تلقاها المريض خلال إقامته بالمستشفى وخروجه منها بأفضل حالة صحية يُمكن بُلوغها في معالجته.
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن معدلات عودة الدخول إلى المستشفى أو الوفاة خلال الثلاثين يوماً التالية للخروج منها هي معدلات متقاربة فيما بين المرضى الذين تمت معالجتهم من قبل «أطباء منفقين بدرجة أعلى»، والمرضى الذين تمت معالجتهم من قبل «أطباء منفقين بدرجة منخفضة».
وعلق الدكتور أنوبام جينا، الباحث الرئيس في الدراسة من كلية طب جامعة هارفارد، بالقول: «الإنفاق الأعلى في المعالجة لا يعني دائماً الحصول على صحة أفضل». وأضاف الباحثون أن هذه الدراسة الجديدة هي الدراسة الأولى التي تقييم الفروق فيما بين الأطباء في المستشفى نفسه من نواحي كلفة معالجتهم لمرضاهم ومخرجات علاج أولئك المرضى. واستطرد الباحثون بالقول إنه وفي المستشفى ذاته تباين متوسط الإنفاق بنسبة تزيد على 40 في المائة فيما بين الأطباء المنفقين بدرجة أعلى والأطباء المنفقين بدرجة منخفضة. وقال الباحثون إنهم لا يفهمون تماماً ما الذي يدفع إلى نشوء هذه الاختلافات الواضحة في درجة الإنفاق العلاجي بين مختلف الأطباء. وهو ما علق عليه الدكتور يوسوكي تسوجاوا، الباحث المشارك في الدراسة من كلية طب هارفارد، بالقول: «طبيب أكثر تكلفة مادية وطبيب أقل تكلفة مادية في علاج المرضى، على الرغم من أن كلاً من الطبيبين يُقدِّم رعاية طبية متعادلة في نتائج مخرجات علاج المريض». وأضاف أنه من الممكن أن الأطباء الأقل خبرة Less - Experienced Doctors يطلبون إجراء اختبارات وفحوصات تصويرية أكثر لملء الفراغ في فجوة خبرتهم الطبية، ولذا من المهم تحديد الخدمات العلاجية «ذات الجدوى المنخفضة» Low - Value Services في معالجة المرضى، أي التي ليست مفيدة لهم، وقد تتسبب بالضرر لهم، ومن ثمّ إزالتها.
وقال الباحثون تحت عنوان الاستنتاجات والأهمية في آخر عرض نتائج الدراسة: «يتفاوت الإنفاق على تقديم الرعاية الصحية بين الأطباء في داخل المستشفى نفسه أكثر من الاختلاف في الإنفاق بين المستشفيات، ومع هذا لا يرتبط ارتفاع إنفاق الطبيب مع نتائج أفضل في معالجة المرضى بالمستشفى. وتشير نتائجنا أن الإجراءات التي تستهدف الأطباء والمستشفى معاً قد تكون أكثر فاعلية في الحد من الإنفاق المفرط.