بات دونالد ترامب قيد أنملة من البيت الأبيض، أو لتحري الدقة، بات على مسافة قريبة مثل المسافة التي تفصل جيمس كومي عن بوتين، وذلك بفضل الدعم الكبير الذي قدمه له الناخبون البيض من الطبقة العاملة. لقد وثق هؤلاء الناخبون في الوعد الذي قطعه على نفسه بإعادة توفير وظائف جيدة في مجال التصنيع، وفي الوقت ذاته رفضوا تصديق وعد أكثر مصداقية بحرمانهم من نظام الرعاية الصحية؛ لذا هناك صدمة فظيعة في الطريق.
مع ذلك ليس العمال البيض وحدهم هم من يتسمون بالسذاجة، فلا تزال الشركات الأميركية تنكر احتمالات اندلاع حرب تجارية عالمية، رغم أن الحماية الاقتصادية كانت موضوعًا رئيسيًا في حملة ترامب الانتخابية. في الواقع يبدو أن القضيتين الوحيدتين اللتين تحظيان بحماسة ترامب وشغفه هما اتفاقات التجارة غير العادلة المزعومة، والإعجاب بالأنظمة الاستبدادية..
قد تتخيل أن أي تغيير كبير في السياسة التجارية الأميركية سيتطلب موافقة من الكونغرس. وأن الجمهوريين سوف يكونون حجر عثرة في طريق ذلك؛ لكن هذا غير مرجح؛ نظرًا لضعف حال الحزب الجمهوري.
في كل الأحوال، سوف يمنح التشريع ذو الصلة ترامب حرية كبيرة في حال اختياره لمذهب الحماية الاقتصادية. يمكنه فرض قيود على الواردات إذا كانت «تهدد بالإخلال بالأمن القومي»، ويمكنه فرض تعريفات جمركية «لمعالجة العجز الكبير الخطير في ميزان المدفوعات الأميركي»؛ لكن من الذي سيحدد انطباق مثل هذه الشروط والأوضاع؟ إنه رئيس السلطة التنفيذية نفسه.
لم يكن الغرض من هذه البنود والأحكام تمكين الرئيس من العودة بالسياسة التجارية الأميركية عقودًا من الزمن، أو الانخراط في عمليات انتقام شخصية. مع ذلك يمكن للمرء أن يخمن إلى أي مدى سوف تزعج مثل هذه التفاصيل الإدارة القادمة، التي تتحدث بالفعل عن استخدام سلطاتها. وهذا يقودنا إلى السؤال الخاص بالدافع.
لماذا تفرض إدارة ترامب قيودًا على الواردات؟ قد يكون الجواب هو الناخبين من الطبقة العاملة، التي سيشرع بطلهم المزعوم في تنفيذ جدول أعمال محلي مناهض للعمال بشكل كبير. هناك دافع واضح وبديهي يجعل ترامب يقدم عرضًا ينفذ فيه بعض وعود حملته الانتخابية. وفي حال تسبب ذلك في صراع دولي، سيكون هذا مكسبًا إضافيًا، حيث سيتم تشتيت الانتباه بعيدًا عن انهيار نظام الرعاية الصحية.
إلى جانب ذلك، من الواضح أن رئيس الأركان القادم يعتقد حقًا أن التجارة الدولية لعبة يخسر فيها الشخص اللطيف، وأنه يتم استغلال أميركا فيها. إضافة إلى ذلك، فإنه ينتقي مستشارين يدعمونه فيما يعتقد. ولا تنتظروا من الخبراء توضيح نقاط الضعف في هذا الرأي لترك أي انطباع، فتوضيح صورة الصين المتوحشة أمر قد عفّى عليه الزمن.
ما الذي سيحدث إذن عندما يفرض ترامب التعريفات الجمركية؟
سوف يكون هناك رد انتقامي كبير. حين يتعلق الأمر بالتجارة، أميركا ليست قوة عظمى، فالصين من هذا المنظور لاعب كبير ومهم، والاتحاد الأوروبي لاعب أكبر. إنهم سيردون بالمثل.
ولن يتوقف الأمر عند حدود الانتقام فحسب، بل سيكون هناك منافسة، ومساجلة. بمجرد اتخاذ أميركا قرارًا يفيد بأن القواعد غير منطبقة، سوف تعمّ الفوضى ساحة التجارة العالمية.
هل سيؤدي ذلك إلى ركود عالمي؟ هذا غير مرجح، فأعتقد أن هناك مبالغة في طرح مثل هذه الاحتمالات الخطيرة.
مع ذلك سوف تكون الحرب التجارية القادمة سببًا في حدوث خلل كبير، فالاقتصاد العالمي اليوم يتمحور حول «سلاسل القيمة» العابرة للحدود، حيث تحتوي سيارتك، أو هاتفك الذكي على مكونات مصنعة في الكثير من الدول، والتي يتم تجميعها، أو تعديلها بعد ذلك في دول أخرى كثيرة. سوف تجعل الحرب التجارية تلك السلاسل أقصر، وسوف ينتهي الحال بفشل بعض عمليات التصنيع الأميركية، مثلما حدث عندما تصاعدت التجارة العالمية في الماضي.
هناك دعابة قديمة تحكي عن سائق يدهس أحد المارّة، ثم يحاول إصلاح ما أفسده بدهس الرجل مرة أخرى. سوف تشبه تأثيرات الحرب التجارية في العمال الأميركيين هذه الحالة كثيرًا. بالنظر إلى هذه الاحتمالات، قد يظن المرء أن أحدهم سوف ينجح في إقناع الإدارة القادمة بإعادة التفكير في حربها التجارية.
أفضل الاحتمالات هي اندلاع الحرب التجارية، لذا أحكموا ربط أحزمة مقاعدكم.
*خدمة «نيويورك تايمز»
9:28 دقيقه
TT
وها قد اندلعت الحرب التجارية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة