زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الألوان عند الفراعنة

لا يوجد شعب من شعوب العالم القديم استعمل الألوان مثلما فعل المصريون القدماء، والشاهد على ذلك مقابرهم المنتشرة في كل مكان من الشمال وإلى الجنوب إلى جانب المعابد؛ وهنا سوف أكتب عن مقبرتين فقط أعتبرهما من روائع الفن في مصر القديمة؛ المقبرة الأولى هي مقبرة نفر بسقارة والتي اكتشفها الأثري المصري أحمد موسى، ويعود تاريخها إلى الدولة القديمة أي نحو 4200 سنة، وإذا قمت بزيارة هذه المقبرة فسوف تقف أمام الألوان مذهولاً! ولن تصدق أن هذه المقبرة تعود إلى آلاف السنين، وعلى الرغم من ذلك فالألوان كما هي زاهية براقة كما لو كانت قد وضعت بالأمس على المناظر؟
أما المقبرة الثانية فهي مقبرة الملكة نفرتاري - زوجة الملك رمسيس الثاني - من الأسرة التاسعة عشرة الفرعونية وتقع بوادي الملكات في البر الغربي بالأقصر، وتعتبر أجمل المقابر على وجه الإطلاق. لا يصدق إنسان أن هذه الألوان رسمها الفنان الفرعوني منذ آلاف السنين! وتجد الكثير ممن يزورون المقبرة يبكون من جمال الألوان والمناظر. وعندما زارت إيميلدا ماركوس المقبرة وبهرتها الألوان قالت إنها كانت هي نفسها نفرتاري زوجة رمسيس الثاني وكان معها بالزيارة السيدة جيهان السادات التي قالت لها على الفور: «إذا كان هذا صحيحًا فهل تتركين المقبرة من دون ترميم؟». فما كان من إيميلدا ماركوس سوى التبرع بمبلغ مليون دولار لترميم المقبرة التي تعتبر أجمل مقبرة من مقابر العالم القديم.
لقد كان عند المصري القديم معنى ومغزى لكل لون؛ بل إن الألوان ارتبطت برمزيات دينية. واستطعنا تحديد ماهية معظم الألوان التي استعملها المصري القديم. وسوف نجد أن اللون الأخضر يسمى «وادج» عند الفراعنة مرادفًا للخصوبة والنماء وإعادة الحياة من جديد. وذلك على عكس اللون الأحمر الذي كان يعرف باسم «دشر»، وكان يعني لديهم القوة والغضب، وارتبط بالأسطورة الشهيرة «هلاك البشر». أما اللون الأبيض فعرف باسم «حدج»، ويشير إلى النقاء والصفاء والرفعة في المكانة الاجتماعية؛ فهو لون الكتان الأبيض الذي يرتديه الملك والنبلاء وكبار الموظفين. أما عن اللون الأسود «كم» فكان يشير إلى الظلام؛ وإلى خصوبة التربة وإعادة الإنماء. أما عن اللون الأصفر فكان اسمه عند الفراعنة «كنجت» ويعنى الخلود والديمومة وكانت أكبر مظاهره تتمثل في أشعة الشمس الذهبية. وكان اللون الأزرق مرتبطًا بالطقوس والعبادات وكانت له صلة وثيقة بالخصوبة وإعادة الحياة.
أيضًا لدينا تصور كامل لكيفية استعمال الألوان، ونعرف أن اللون الأحمر كان أكثر استعمالاً لدى الفراعنة؛ ويتم إحضاره من محجر موجود بالصحراء الغربية من حجر يسمى المافت ويعني أيضًا اللون الأحمر، وقد عرف هرم الملك سنفرو في منطقة دهشور باسم الهرم الأحمر نظرًا لوجود علامات باللون الأحمر على الهرم. وأخيرًا هناك مقبرة قمت بكشفها وأعتز بها للألوان الزاهية الجميلة التي تزين نقوشها، وهى مقبرة الكاهن كاي من عصر الأسرة الخامسة، وكان كاهنًا بالجيزة للمجموعات الهرمية لخوفو وخفرع. وبنى لابنته مقبرة أخرى إلى جوار مقبرته تميزت أيضًا بالألوان الزاهية. وتميزت مقبرة كاي بوجود توقيع للفنان الذي قام بتنفيذ نقوشها وألوانها، وهي من المرات القليلة التي يترك الفنان القديم اسمه على عمل من تنفيذه.
أعتقد أننا سنظل ممتنين للفنان المصري القديم وأعماله المبدعة التي حفظت لنا دلائل عبقرية الحضارة المصرية القديمة.