يمكن القول بقوة إن قاسم سليماني هو المرشح الوحيد للمرشد علي خامنئي وحاشيته والتيار المتشدد بشكل عام إذا ما أرادوا الإطاحة بالرئيس الحالي حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث سيكون سليماني مرشحًا مثاليًا يحمل كل المواصفات المنشودة في تاريخ تمنيّات نظام الولي الفقيه منذ الثورة عام 1979 وحتى يومنا هذا، وسيلقى دعمًا من المتشدّدين والإصلاحيين القوميين من ذوي النزعة الفارسية الذين يحلمون بإعادة الإمبراطورية الفارسية.
بدورها الصحافة الفارسية في داخل إيران ومثيلتها المتناغمة معها في الخارج لم تخلق عناوين فضفاضة لشخص في النظام الحاكم في إيران، مثلما خلقت لقاسم سليماني قائد فيلق «القدس»، والمعروف بحروبه ضد الشعوب العربية والإسلامية ووجوده في معظم ساحات القتال، عدا القدس عاصمة فلسطين!
وتتنوع ألقاب قاسم سليماني في وسائل الإعلام الفارسية من «كابوس العدو» و«قائد السّر» إلى «الجنرال حاج قاسم» ومرورًا بـ«قائد الظل» أو «الشبح»، التي تتكرر يوميًا حتى على لسان ممن يعتبر نفسه منتقدًا لسياسات النظام في الداخل والخارج. قاسم سليماني، موضوع اسمه على قائمة الإرهاب الدولية وملطخة يده بالدماء بسبب الجرائم التي اقترفها بحق الشعوب الإيرانية طيلة الأعوام الماضية.
إن ترشيح قاسم سليماني المحتمل للانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران، على الرغم من وجود أكثر من عشرين مرشحًا مطروحًا بشكل عام في الإعلام الإيراني، سيكون موضوع نقاش حاد في الساحة السياسية الإيرانية وسيخلق نقطة تحول كبرى في استراتيجيات النظام وتغيّرًا مرحليًا في آفاقه ومقارباته ومواجهة تحدياته، حيث سيطوي صفحة من الاتجاهات «الإسلاموية» ويفتح صفحة «القومية الفارسية» في نزعتها الطائفية بصورة مباشرة.
هذا التغيّر الجذري سيأتي على ضوء فشل النظام الإيراني في تطبيق «أسلمة الأمور» في المجتمع الإيراني أو ما يسمى «إسلام ناب محمدي» أي الإسلام المحمدي الخالص، الذي جاء به الخميني منذ انطلاق الثورة في عام 1979، وتكرّرت شعاراته طيلة الـ38 عامًا الماضية وتم فرضه بالنار والحديد على الشعوب الإيرانية، وخصوصًا الحروب مع دول الجوار من أجل بث الفتن والنزعات الطائفية لتحقيق أهدافه.
لقد كان الخميني يعتقد أنه على طريق الحق وباقي المسلمين على طريق الضلال، ومن الواجب عليه «تنبيه الأمة» وهدايتها إلى الطريق القويم حسب ادعائه.
ولكن بعد 38 عامًا من حكم الخميني ومن بعده خليفته خامنئي، فشلت جمهورية الولي الفقيه فشلاً ذريعًا بالوفاء بالعهد الذي قطعته للشعوب الإيرانية. ولكن من يعرف المجتمع الإيراني اليوم، سوف يتأكد وبالأرقام أن أعداد المستضعفين في إيران بعد مجيء الخميني قد ازدادت أضعاف المرات وأصبحت أكثر سوءًا مما كنت عليه في زمن الشاه.
وعلى صعيد المنطقة، هؤلاء الذين يقتلون اليوم في سوريا والعراق واليمن ولبنان وأفغانستان على يد الميليشيات الطائفية أو الجهات المدعومة من نظام الولي الفقيه، هم من عامة «المستضعفين» في العالم الإسلامي وفي إيران، على الرغم من توظيف كل طاقات البلد لتطبيق هذا النوع من الإسلام المزيف، بعد كل هذه الرحلة الدموية وإهدار ثروات الوطن. ولكن يبدو في هذه المرحلة الراهنة أن نظام الولي الفقيه سينتزع إسلامية الخميني وسيرتدي لباس القومية الفارسية الجديدة، الذي سيتربع من خلالها «قاسم شاه» على عرش الولاية الطائفية في إيران.
ونظرًا لحساسية الموضوع والوضع الاقتصادي المتفجر والضغوط الاجتماعية والثقافية، يبدو، ووفقًا لحسابات الولي الفقيه، فإنه لا مجال للخطأ في اختيار الرئيس القادم الذي من شأنه أن يوحد النظام ويكون مدعومًا من جميع الأطياف السياسية بدءًا من القوميين الفرس وانتهاء إلى أصحاب النزعة اليسارية.
والغريب أن اليسار الإيراني المعروف بانطلاقاته الشعبوية وترويجه لقيم الحداثة وخصوصًا مبدأ فصل الدين عن الدولة، ركب النزعة القومية الفارسية في إيران مع الآيديولوجية الطائفية والمتشددين والعسكر والقوميين وأصبح من أكثر المتحمسين لقاسم سليماني والمعجبين بشخصيته! وذلك عكس اليسار العربي الذي نسي المصالح العربية العليا والأمن القومي العربي ووقف مع بشار الأسد. ومن زمن ليس ببعيد، فإنّ اليسار الإيراني عَلّم الخميني شعارات المناهضة «للإمبريالية العالمية» واستمر بها طيلة السنوات الماضية من حكم الولي الفقيه، ولكن في الوقت الراهن انقلب على نفسه، وأصبح من المطالبين ببناء الإمبراطورية الفارسية على حساب العرب، بل يتباهى ويحلم بها.
وعلى ضوء ما تقدم، فإن قاسم سليماني كلما قتل العرب ودك بمدافعه العواصم العربية، يصبح رمزًا جماهيريًا في عيون المهووسين بالقومية الفارسية، حيث تبين بعد 38 عامًا من عمر نظام الولي الفقيه أن أميركا وإسرائيل عدوتان وهميتان لإيران وغابتا عن الأنظار، بينما كان العرب ولا يزالون هم الأعداء الحقيقيين للفرس.
ويبدو أن أهم ما يشغل بال الولي الفقيه في الوقت الحاضر، كيفية الاحتفاظ بالنظام بعد تفنيد كل التجارب السابقة من وعود رفسنجاني بالاقتصاد الزاهر إلى تطلعات محمد خاتمي في الإصلاحات السياسية وشعارات أحمدي نجاد حول تعزيز الأصولية والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وحديثًا بشارة حسن روحاني بالوسطية كـ«مفتاح» لحل جميع الأمور في إيران، ناهيك بقناعة الولي الفقيه بعدم فاعلية المقاربات السابقة ووجوب خلق فزاعة جديدة في المجتمع الإيراني تأتي في مكانها، وعلى هذا الأساس خيار قاسم سليماني يطرح بقوة لتوحيد أركان النظام واستمراره بعد ما شعر الولي الفقيه بتفكك نظامه تحت الشعارات والتسميات السابقة والاستياء الجماهيري من البرامج المملة التي يطرحها خامنئي سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
وأما على الصعيد الدولي، يتباهى الولي الفقيه بأنه لم يحصل أحد من جنرالاته في الحرس على شهرة عالمية مثلما حصل عليها قاسم سليماني، حيث يقال إن صورته موضوعة على جدار مكتب الجنرال جوزيف ووتل قائد المقر المركزي للجيش الأميركي (سنتکام) في مدينة تامبا في ولاية فلوريدا، وهو المركز الذي يعتبر المسؤول عن منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أن هذا الاهتمام الأميركي بقاسم سليماني يأتي وفقًا لخبرته في الحروب غير المنظمة التي تحسب لها قيادات الجيش الأميركي ألف حساب. ولكن من منظور علي خامنئي، هذا الاهتمام الغربي يفسّر على أنه شرعية دولية لقاسم سليماني كي يصبح «شاهنشاه» جديدًا لإيران.
TT
من رضا شاه إلى قاسم شاه؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة