هل ستكون هذه الفوضى المتعددة العناوين والأهداف التي تمزق العالمين العربي والإسلامي، اليوم، هي آخر النكبات التي تعرضت لها دولهما وشعوبهما منذ استقلالها؟ نكبة 1948 التي شردت شعبا عربيا من أرضه، وزرعت في قلب العالم العربي دولة عنصرية هجينة تهدده في سيادته وأمنه؟ أم نكبة يونيو (حزيران) 1967 التي حطمت حلما قوميا ومكنت إسرائيل من ابتلاع كل فلسطين وكل القدس؟ أم ما سمي «الربيع العربي» الذي أطلق من قمقم التاريخ الإرهاب باسم الدين وتفرعت عنه أو تداخلت فيه رواسب نزاعات تاريخية طائفية ومذهبية فتحولت إلى حروب أهلية، ركبت موجته نزاعات إقليمية ودولية فدمرت مدنا بكاملها وشردت ملايين البشر؟
صحيح أن تاريخ العرب والمسلمين الحديث لم تكن كل صفحاته سوداء. ففي المائة سنة الأخيرة تحررت كل الشعوب العربية والإسلامية من الاستعمار بعد رقاد قرون، ونشأت دول إسلامية وعربية من إندونيسيا إلى المغرب، بات لها وزنها بين الأمم. وما تعيشه اليوم منطقة الخليج من عمران ونهضة اقتصادية واجتماعية يعتبر معجزة إنسانية. وإذا قارنا بين ما كانت عليه المجتمعات العربية والإسلامية، عموما، منذ قرن أو نصف القرن وما هي عليه اليوم، تبين لنا أن هذه المجتمعات خطت خطوات كبيرة منذ أن استقلت، خلافا لما يصور أو يتصور البعض.
لكنه صحيح أيضا أنه رغم كل ما تحقق، مع بعض الاستثناءات، لم تنجح الحكومات التي تعاقبت على الحكم في معظم الدول العربية والإسلامية في تحقيق كل أماني شعوبها ولا التعاون والتضامن معا لحل مشكلاتها العالقة أو اختيار نظام الحكم الموفق بين الحرية والتنمية والأمن للمواطنين وبين خصوصيات مجتمعاتها، وهي متباينة. ونشأت الديكتاتوريات العسكرية وحكم الحزب الواحد. ولكن أخطر وأفدح إيغالا في البحث عن باب الخلاص أو قاعدة للنهوض كان الارتماء في أحضان الآيديولوجيات الشمولية، وذلك في الوقت الذي كانت فيه الدول والمجتمعات الغربية التي استوردت منها هذه الآيديولوجيات تتخلى عنها بعد أن أدى اعتناقها لها إلى حروب مزقتها على مدى قرون.
وكان آخر حبل للنجاة من الغرق في رمال التاريخ المتحركة هو تحميل الغرب مسؤولية كل ما أصاب ويصيب العرب والمسلمين، واعتماد الإرهاب تحت شعارات دينية سلاحا للمقاومة ودعوة العرب والمسلمين للعيش، كما كان أجداد أجدادهم يعيشون منذ ألف سنة.
لقد صدرت في الغرب مئات الكتب والدراسات المتعلقة بـ«هذا» الذي تتخبط فيه بعض الدول العربية والمجتمعات الإسلامية وامتداد شراراته إلى المجتمعات الغربية في شكل عمليات إرهابية تحت شعارات دينية، ما حول «الربيع العربي» في نظر العالم من انتفاضة من أجل الحرية والكرامة إلى بركان يهدد العالم باندلاع «حرب حضارات» أو على الأقل بحروب أهلية ومذهبية قد تدوم.. ثلاثين سنة!
غير أنه رغم فداحة خطورة ما يحدث اليوم في سوريا والعراق وغيرهما فإن أفدح منها هو هذا العجز الدولي عن العثور على الحل السياسي أو العسكري له. وكأنما تمادي هذه الصراعات والتقاتل وتدخل الدول الكبرى والإقليمية العلني والمستتر يناسب المتقاتلين والمتدخلين.. أما مئات ألوف الضحايا وملايين المشردين وتدمير مدن تاريخية كحلب وحمص وحماه.. فـ«فراطة» لا حساب لها ولا قيمة.
ما يحدث اليوم من صراع دولي - إقليمي - وطني - ديني - مذهبي متمادٍ ومجهول الختام في الشرق الأوسط، نكبة ثالثة قد تكون أكبر من نكبتي 1948 و1967.. خسائر بشرية واقتصادية وإنسانية حتى الآن، وأضخم حجما وعمقا من النكبتين السابقتين، فكيف إذا استمر التقاتل وتمادى خمس أو عشر أو ثلاثين سنة، كما بات يعتقد بعض المراقبين.
بعد أن وصلت الصراعات إلى ما وصلت إليه وأمام عجز المتصارعين والمتدخلين في الصراع عن وقف القتال وعن التوصل إلى حل سياسي، عادت الأنظار تتجه نحو الدول الكبرى، وعلى الأخص الولايات المتحدة وروسيا، علهما يتفقان على شيء ما يكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الشرق الأوسط. ولكن ماذا يستطيع الرئيس الأميركي أن يفعل في الأشهر الثلاثة الأخيرة من ولايته؟
8:37 دقيقه
TT
كسر الحلقة المفرغة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة