بعد جولته الموفقة في الغربين الأميركي والأوروبي، واصل ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مسيرة التحولات الاستراتيجية للمملكة، بجولته في الشرق الأقصى ودوله الكبرى، وفي مقدمتها الصين واليابان، حيث وقعت سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والمالية التي تشكل عناوين جديدة في عملية تنفيذ استراتيجية «رؤية 2030».
ولقد أجمع المراقبون الاقتصاديون على الإشادة بالسياسة الاقتصادية السعودية الجديدة، التي تهدف إلى تنمية الاقتصاد السعودي، الذي يعتمد حتى الآن على واردات النفط إلى اقتصاد إنتاجي استثماري حديث، ونوهت بترحيب الدول والرساميل الدولية في الاستثمار في المملكة وشراء السندات السعودية، نظرًا لمتانة اقتصادها ووفرة مداخيلها واستقرار أوضاعها.
لقد ذهب البعض إلى اعتبار هذا الانفتاح والاهتمام السعوديين بالشرق الأقصى والصين والهند واليابان خاصة، إلى حد وصفه بالتحول عن التعاون والتحالف التقليدي مع الغرب - وخصوصًا الولايات المتحدة - القائم منذ منتصف القرن العشرين. ولكن الحقيقة هي غير ذلك. فانفتاح المملكة على الشرق الأقصى والدول الكبرى، كروسيا والصين، لا يعني وليس من الضروري أن يفسر بأنه نوع من إدارة الظهر للدول الغربية الكبرى، بل إنه ضرورة وإعادة تصويب الحاجات والمصالح الاقتصادية والسياسية على ضوء التحولات الكبيرة التي شهدها العالم والشرق الأوسط، خصوصًا في العقود الثلاثة الأخيرة، وعلى رأسها سقوط الشيوعية في روسيا والصين وقيام الثورة الخمينية في إيران، وما سبق وأعقب «الربيع العربي» من انتفاضات وحروب أهلية في العالم العربي. وأيضًا السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، التي تحمل على الاعتقاد أنها كانت سلبية عربيًا أكثر منها حيادية. وكان الاتفاق مع إيران من أهم مؤشرات الدور الجديد الذي باتت الولايات المتحدة تلعبه في الشرق الأوسط.
فلقد وجدت المملكة السعودية نفسها بعد استغلال إيران لموجة ما سمي الربيع العربي، كي تتسلل وتتلاعب بل وتتحكم في مصير العراق وسوريا واليمن ولبنان، وتمد يدها إلى دول عربية أخرى بالقصد نفسها، أمام تحدٍ سافر وتهديد لعروبة المنطقة. فقررت صوابًا تحمل مسؤولية الدفاع عن نفسها وعروبة الدول العربية، التي تتعرض لخطر التقسيم أو الخروج من الأسرة العربية. وتصادف ذلك مع تدني أسعار النفط إلى أقل من النصف، الأمر الذي عجل في وضع وتنفيذ خطة «رؤية 2030» التي كانت تختمر تدريجيًا في أذهان المسؤولين السعوديين وتدعو إليها المرجعيات الاقتصادية والمالية الدولية.
ثم إنه بصرف النظر عن هذه التحولات السياسية الكبرى والأوضاع المتفجرة في أكثر من دولة عربية، فإن استراتيجية الانفتاح والتعاون مع الدول الكبرى والدولة الصاعدة، باتت ضرورية وبديهية بعد أن تحول العالم أخيرًا إلى «قرية» - أو إلى «بيت صغير»، بفضل تطور وانتشار وسائل الإعلام والتواصل السريع والعولمة والمخاطر الطبيعية والبيئية التي تهدد كل الشعوب.. وإذا كانت الدول الغربية تنفتح اقتصاديًا على الشرق الأقصى وتتطلع جديًا إلى إقامة علاقات اقتصادية ومالية معه، رغم رواسب وذكريات الحرب الباردة والاستعمار قبلها، فإنه أحرى بالدول العربية أن تنفتح شرقًا، بل في كل الاتجاهات، دفاعًا عن نفسها أو تحقيقًا لمصالحها.
لقد كانت المملكة السعودية في طليعة الدول العربية خدمة للقضايا القومية المشتركة. ولكن بعد انشغال دول عربية محورية، كمصر وسوريا والعراق بما فجره الربيع العربي فيها، وصعود خطر الإرهاب المغطى بشعارات دينية، باتت المملكة في موقع المدافع الأول عن عروبة المنطقة، بل وعن الإسلام. ولا يتطلب ذلك منها عسكريًا فحسب، بل فكريًا واقتصاديًا. وهذا ما باتت تتحمل مسؤوليته وما يشكل الاستراتيجية الدفاعية والاقتصادية الجديدة التي تهدف إليها جولة ولي ولي العهد الأخيرة في الشرق الأقصى بعد جولته الغربية.
8:37 دقيقه
TT
الانفتاح السعودي على الشرق الأقصى
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة