سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

البحرين تحل «جماعة المرشد»

الإجراءات التي تقوم بها مملكة البحرين حاليا هي حل لـ«جماعة المرشد الأعلى»، تماما كما هي الإجراءات التي اتخذتها مصر حين حلت «جماعة المرشد العام».. فقط لا أكثر ولا أقل، أما التسميات التي تطلقها الصحافة البريطانية أو الأميركية، أو التقارير المسيسة للمنظمات الدولية الحقوقية، بتسمية تلك الجماعة بـ«المعارضة»، فإنها تصنيفات لا تمس الحقيقة أبدا.
«جمعية الوفاق» التي أصدر القضاء البحريني حكما بإغلاق مقرها وحلها، ما هي إلا الذراع السياسية للجماعة، والمجلس العلمائي الذي أصدر القضاء حكما بمنع انعقاده، ما هو إلا الذراع الدينية للجماعة، أما الميليشيات الإرهابية التي تعمل على الأرض، كسرايا الأشتر وسرايا المختار وسرايا القدس وحزب الله البحريني، الذين قتلوا 19 من رجال الأمن وأصابوا 3 آلاف منهم، فهم الذراع العسكرية لذات الجماعة، بفرعيها «الشيرازي» و«الولائي»، وهما فرعان لمتطرفين شيعة مرجعيتهم الدينية والسياسية غير بحرينية، لا يؤمنون بالدولة بل بالأمة.
لم يعترض، أو بالأحرى «يقلق»، على حل هذه «الجماعة» سوى الولايات المتحدة الأميركية ومجموعة أوروبية، ومعهما بان كي مون. وجميعهم خاطب البحرين على استحياء «إبراء للذمة»، وقناعته تقر بأن «غباء» حلفائهم فاق كل حد، وعدم اتعاظهم من أخطاء «جماعة الإخوان» هو ما أودى بهم للمصير ذاته.
إنهم جميعا حاولوا إقناع الذراع السياسية بالانفصال عن الذراع الدينية والعسكرية، والانخراط في العمل السياسي ضمن الأطر الدستورية، وإقناعهم بالانفصال عن إيران، إنما من دون فائدة. وغاب عن هؤلاء أن القصة قصة معتقدات دينية لا يمكنهم تفككيها، معتقدات لا ترى في الدولة الحالية إلا مرحلة وليست ديمومة، أي أن «القبول» بقانونها أو مؤسساتها ما هو سوى جسر لإسقاطها وإقامة دولة «العدل الايماني» محلها. فتسرع الجماعة بالخروج من المجلس النيابي عام 2011، والوقوف تحت منصة «باقون حتى يسقط النظام»، تم بناء على ظنهم بأن الأوان قد آن، وقد كان ذلك خطأ تكتيكيا وليس استراتيجيا.
وإن فشل الحلفاء بإقناعهم، فإن الدولة البحرينية قبلهم تحاول أن تقنع، وطوال خمس عشرة سنة، الذراع الدينية والسياسية والإعلامية للجماعة، بأن يقبلوا بالعمل ضمن إطار الدولة الدستوري، ولم تنجح. وهي الآن تصحح مسارها، وتعيد الأمور لنصابها، وتقطع حبل «الاستثناءات» الذي منحته لهم - دون مسوغ قانوني أو دستوري - على أمل أن يكون غض الطرف عن مخالفاتهم، وأحيانا عن جرائمهم، طريقا لتأليف قلوبهم، وسبيلا للاقتناع باستبدال «الدولة» بـ«الثورة»، وكان صبرا جميلا على كل النزق الذي مورس خلال الخمسة عشر عاما منهم.
ما تقوم به مملكة البحرين من إجراءات اتخذتها بأدوات دستورية، من خلال مؤسساتها القضائية، وطالت هذه الجماعة، هي إجراءات لا تمس مبادئ وقيم الحقوق والحريات التي نصّ عليها الدستور، بل بالعكس فهي تحمي القانون والدستور من تغوّل هذه الجماعات، وذلك إلزام أمضاه الدستور البحريني على الملك في المادة 33 منه، التي نصت على أن «يحمي الملك شرعية الحكم وسيادة الدستور والقانون، ويرعى حقوق الأفراد والهيئات والحريات».
وفي ظل الظروف الإقليمية التي تمر بها المنطقة، ومشاركة البحرين في الحرب العالمية على الإرهاب، كأعضاء في التحالف الدولي والتحالف العربي، ووجود القوات المسلحة على أكثر من جبهة، فإن سياسة الصبر وسعته أصبحت مهددة لا لأمن المجتمع البحريني فقط، بل مهددة لأمن المنطقة ككل، خصوصا مع ارتباط هذه الجماعة بمرجعيتها الدينية الإيرانية، وهي من تواجهه دول الخليج مجتمعة على عدة جبهات. وأصبح لازما على مملكة البحرين أن تحمي دستورها وقانونها، وأن تحمي نفسها وأشقاءها من تغول هذه الجماعة، وأن تعيد للقانون هيبته ووقاره.
وعليه، فإن ما يهمنا اليوم هو أن المطالبة بتفعيل القانون ليست إجراء لنظام، بل أصبحت مطالب شعبية لوقف هذه «الاستثناءات» التي منحت لهذه الجماعة طوال الخمسة عشر عاما حماية لكل فئات المجتمع البحريني، وأولهم الشيعة الذين اضطهدتهم هذه الجماعة، وألزمتهم من خلال العنف والإرهاب بالامتثال لفتاوى مرجعياتهم الدينية دون سواها من المرجعيات الشيعية الأخرى.
وما تحتاج إليه البحرين، وهي تحمي نفسها والجبهة الشرقية لدول مجلس التعاون، هو الدعم والمساندة من جميع حلفائها الخليجيين والعرب، بل وحتى من حلفائها كالولايات المتحدة الأميركية والمجموعة الأوروبية، الدعم للقانون في مواجهة تغول الجماعات الإسلامية، وتسلطها على مقدرات الشعوب ومكتسباتهم.
إن البحرين واحة للتعايش والتعددية والحريات، يتمتع فيها المواطن والمقيم بحقوقه المدنية والسياسية كافة، ويمارس حريته دون تدخل من الدولة، إلا في أضيق الحدود، بما لا يتعارض مع حقوق الآخرين وحرياتهم. وهذه مكتسبات ديمقراطية بحاجة لمن يؤمن حمايتها بالقانون، وهي مسؤولية الدولة كما هي مسؤولية كل الدول الديمقراطية العريقة، التي لا يمكن أن تسمح لجماعة ما، تحت مسمى «المعارضة»، أن تكون فوق القانون.