وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

الشريك الأجدى للحرب على الإرهاب

في حين تقترب ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما الثانية من نهايتها، توحي حملة الانتخابات الرئاسية الساخنة في الولايات المتحدة بأن «الإرهاب الدولي» لم يعد هاجسًا أميركيًا خارجيًا بل داخليًا أيضًا، وقضية قد تقرر، إلى حد كبير، نتيجة هذه الانتخابات.
تاريخيًا سياسيًا، قد تعود الجذور الأميركية للبعث الإرهابي في الشرق الأوسط إلى سياسات الإدارات الجمهورية السابقة تجاه المنطقة وخصوصًا العراق. ولكن، منذ اعتداءات 11 سبتمبر 2011، لم يرتبط التقويم العام لأداء أي ولاية رئاسية أميركية بمدى نجاحها أو فشلها في التصدي لـ«الإرهاب الدولي»، كما ارتبط تقويم ولاية الرئيس الديمقراطي باراك أوباما.. ولا يزال. وعقدة هذا التقويم أنه يجري في مرحلة يعترف فيها كثير من المحللين الأميركيين بأنها تؤشر إلى تراجع غير مسبوق في نفوذ أميركا الدولي في القرن الحادي والعشرين.
مدى علاقة الفورة الإرهابية الراهنة في الشرق الأوسط، بتراجع الموقع الدولي للولايات المتحدة موضوع مثير للجدل ومفتوح على كل التأويلات. ولكنه، على اتساعه وتباين استنتاجاته، يبقى الإرهاب، بحد ذاته، ظاهرة مفصلية استوجبت إعادة ترتيب أولويات واشنطن في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي معًا.
رغم أن الولايات المتحدة - بمؤازرة شبكة أمنها الدولي المتمثلة بحلف شمال الأطلسي - ما زالت تعتبر الدولة الأقوى في عالم اليوم، فقد أنزلتها اعتداءات سبتمبر 2001 عن برجها العاجي، بعد أن أطاحت بعامل أمني كانت تتفرد به عن القوى الكبرى المنافسة لها: عامل البعد الجغرافي عن بؤر المشكلات الدولية، وبالتالي عن تهديدها المباشر لأمنها القومي.
اعتداءات سبتمبر 2001، رغم فشلها الأمني والسياسي الذريع، حولت الولايات المتحدة إلى دولة أخرى معرضة لتهديدات أمنية داخلية، لا خارجية فحسب، واضطرتها، للمرة الأولى في تاريخها، إلى تأسيس إدارة خاصة على المستوى الحكومي مهمتها مراقبة «أمنها الداخلي» وصيانته، رغم كل ما رافق ذلك من إجراءات قانونية ومالية واستخباراتية كانت تُعتبر بعيدة عن الحياة اليومية الأميركية.
وبالمقابل، أعادت حرب الولايات المتحدة على الإرهاب الدولي «أدلجة» الدور الذي كانت تلعبه واشنطن في الخارج، كرائدة للديمقراطية والحريات السياسية والفردية، الذي افتقدته بزوال التهديد السوفياتي لأمنها، مع انهيار حلف وارسو.
ولكن المصداقية السياسية لشعار محاربة الإرهاب مرهونة اليوم، في المنطقة العربية، بأسلوب مقاربة الرئيس أوباما لحملته.
من يستمع إلى ما يصدر، تلميحًا أو تصريحًا، عن بعض مرشحي الرئاسة الأميركية لم يعد يستغرب كيف تلصق تهمة الإرهاب بسرعة بأبناء فئة دينية وقومية معينة، فور وقوع أي عملية انتحارية، أينما كانت في العالم. وغير خافٍ أن هذا الأمر أخذ يحرك مشاعر عنصرية دفينة في أوساط شريحة واسعة من الناخبين اليمينيين، ويعزز فرص فوز الجناح المتشدد في الحزب الجمهوري بالرئاسة الأميركية.
من هنا تأتي أهمية التساؤل عن مدى استعداد الإدارة الديمقراطية، وقبل رحيلها عن البيت الأبيض، للبدء بتعريف الإرهاب الدولي بمعزل عن الخلفيتين الطائفية والعرقية اللتين درج الإعلام الأميركي اليميني على توأمتهما مع الإرهاب في وقت أصبح فيه الإرهاب موضوعًا انتخابيًا متداولاً على نطاق واسع في الحملة الرئاسية الراهنة.
في هذا السياق، يصح أيضًا التساؤل عن مدى استعداد إدارة الرئيس أوباما الديمقراطية القبول بتنسيق ميداني ولوجيستي مع التحالف الإسلامي العسكري (الذي تشكل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي) بهدف محاربة الإرهاب «بجميع أشكاله ومظاهره أيًا كان مذهبها وتسميتها»، مما قد يوحد المجهود الدولي لمحاربة الإرهاب ويزيل «التعرض» الحضاري والطائفي المرافق لهذه الحرب في الغرب.
على قاعدة «أهل البيت أدرى بما فيه» قد يكون تعاون إدارة الرئيس أوباما مع «التحالف الإسلامي» في التصدي للإرهاب في الشرق الأوسط أجدى، سياسيًا وعسكريًا، من تعاونها مع روسيا، وغير مرهون بصفقات سياسية لن يقصر الرئيس فلاديمير بوتين عن المطالبة بها ثمنًا لتحالفه مع واشنطن.