علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

السياحة والإرهاب

من المحزن سماع الأرقام التي تحدثت عنها مستشارة وزير السياحة المصري أمس، والتي تشير إلى انخفاض عائد السياحة بنسبة 66 في المائة في الربع الأول من العام إلى نحو نصف مليار دولار، بينما البلاد تحاول النهوض اقتصاديًا من جديد بعد خمس سنوات عاصفة.
ولا يعتقد أن أي عامل في حقل السياحة المصرية سيكون سعيدًا بالحديث عن الربيع العربي الذي كانت بلاده المحطة الثانية له، والمؤكد أن نظيره في تونس لديه المشاعر نفسها وهو يرى الفنادق خالية، والسياح غائبين ويذهبون إلى بلدان أخرى. أما القصة في سوريا وليبيا فهي مختلفة، وصور الخراب والأحياء السكنية المدمرة بالكامل تعطي صورة قاتمة للغاية.
السياحة ليست مجرد عائدات عملة صعبة تدخل خزانة الدولة مثل النفط، فهي تشبه ما كان يحدثه اقتصاديًا موسم حصاد القطن في الريف المصري قبل 6 أو 7 عقود عندما كانت تزدهر الأسواق مع توفر السيولة لدى المزارعين، فيستفيد التجار والسوق المحلي كله مع موجة المشتريات الاستهلاكية.
الدور نفسه يلعبه نشاط السياحة في الاقتصاد المحلي، فعائداته تسري في كل الشرايين الاقتصادية؛ من الفندق إلى الموظف فيه وسائق التاكسي وبائع الهدايا التذكارية السياحية. هي عملية نقل دم مباشرة لا وسيط فيها مثل عائدات قطاعات أخرى كالنفط تدخل إلى الخزانة العامة أولاً.
بلغت أرقام السياحة ذروتها عام 2010 في مصر بوصول ما يقرب من 15 مليون سائح، لتأتي المتاعب السياسية في العام التالي، ثم تنخفض الأرقام لتصل إلى أدناها في الوقت الحالي بسبب مخاوف الإرهاب وتحذيرات السفر من دول رئيسية، وأصبحت العودة إلى أرقام 2010 حلمًا لدى هذا القطاع.
الإرهاب موجود منذ الثمانينات، لكنه وجد في انتفاضات الربيع - التي جاءت لأسباب سياسية واقتصادية - فرصة للقفز على المشهد وترويع المجتمع والناس مع الفراغ الذي حدث وانهيارات الدول ومؤسساتها.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها قطاع السياحة المصري إلى أزمة، فقد شهدت السياحة تقلبًا شديدًا خلال التسعينات والعقد الماضي بسبب استهداف الإرهابيين والجماعات المتطرفة قطاع السياحة كجزء أساسي من حربها الاقتصادية ضد الحكم، ومحاولة فرض كلمتها على المجتمع، وتعرضت تونس بدرجة أقل إلى ذلك الوضع.
وفي كل مرة تهبط فيها السياحة نتيجة أعمال إرهابية توضع الخطط والبرامج الدعائية لجذب السياح مجددًا ليحدث شيءٌ آخر وتعود الحلقة نفسها من جديد.. هذه المرة حلقة الإرهاب مرتبطة بالوضع الإقليمي المضطرب الذي جعل تنظيمات الإرهاب تجد أماكن جديدة تتدرب وتتسلح فيها.
لن يتوقف الإرهاب الذي يستخدم أو يستخدمه أحد أداة في حروب القرن الحادي والعشرين التي تشن ضد المجتمع كله بمختلف الأساليب إلا بموقف دولي صارم، وما يبدو أن الدول العربية التي تعتمد على السياحة في حاجة إليه هو دراسة تجارب دول أوروبية أو غربية تحدث فيها أعمال إرهابية لكنها لا تؤثر كثيرًا على أعداد الزوار القادمين نتيجة قوة عناصر الجذب الأخرى، فهي لا تعتمد على بيع منتج واحد أو اثنين سياحيا مثل الآثار أو الشواطئ، وكذلك تنويع الاقتصاد لتكون إسهامات القطاعات الأخرى أكبر على صعيدي الدخل والتوظيف بما يجعل الاقتصاد أكثر قدرة على تحمل المطبات الإرهابية.